والثالث: أنه تلزمه الصَّلاة على سبيل التمكن والاستقرار، لأن الصَّلاةِ تلْو الإيمان، ولا سبيل إلى إخلاء الوقت عنها؛ لعظم حرمتها، ولا سبيل إلى إقامتها كما تقام في شدة الخوف؛ لأنه لا يخاف ذوات حاصل هاهنا، فأشبه فوت العدو عند انهزامهم، ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الأئمة -والله أعلم-.
وقوله:(قيل: يصلي مسرعاً في مشيه) هو الوجه الثاني، وقوله:(وقيل: لا يجوز ذلك) يمكن إدراج الأول والثالث فيه.
إحداهما: لو رأوا سواداً أو إبلاً أو أشجاراً، فظنوها عدواً فصلّوا صلاة شدة الخوف، ثم تبين الحال ففي وجوب القضاء قولان.
أصحهما: وهو قوله في "الأم"، وبه قال أبو حنيفة: أنه يجب؛ لأنه ترك في صلاته فروضاً بسبب هو مخطئ فيه فيقضي، كما لو أخطأ في الطهارة.
والثاني: نقله المزني عن "الإملاء" أنه لا يجب لقيام الخوف عند الصلاة، وهو أصح عند صاحب "المهذب"، والجمهور على ترجيح الأول، ثم اختلفوا في محل القولين فمنهم من قال: القولان فيما إذا كانوا في دار الحرب لغلبة الخوف والعدو فيها، فأما إذا كانوا في دار الإسلام فوجب القضاء لا محالة، وحكى هذا الفرق صاحب "التهذيب" عن نصه في القديم وأصحاب هاتين الطريقتين نسبوا المزني إلى السَّهْوِ فيما أطلقه عن "الإملاء" وادعت كل فرقة أنه إنما نفى الإعادة في "الإملاء" بالشرط المذكور، ومن الأصحاب من عمم القولين في الأحوال، وهذا أظهر، وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب.
ويجوز أن يعلم قوله:(قولان) بالواو؛ إشارة إلى الطريقتين الأولتين، ولو تحققوا العدو فصلُّوا صلاة شدة الخوف، ثم بان أنه كان دونهم حائل من خندق، أو نارٍ أو ماءٍ، أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به، أو ظنوا أن بإزاء كل مسلم أكثر من مشركين فصلوها منهزمين، ثم بان خلافه فحيث أجرينا القولين في الصورة السابقة تجريها أيضاً في هذه الصورة ونظائرها، ومنهم من قطع بوجوب القضاء هاهنا؛ لأنهم