للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصروا بترك البحث عما بين أيديهم، قال في "التهذيب": ولو صلوا في هذه الأحوال صلا عَسَفَان اطرد القولان، ولو صلوا صلاة ذات الرِّقَاع، فإن جوزناها في حال الأمن فهاهنا أولى، وإلا جرى القولان.

الثانية: لو كان يصلي متمكناً على الأرض متوجهاً إلى القبلة، فحدث خوف في أثناء صلاته، فركب نص الشافعي -رضي الله عنه- على أنه تبطل صلاته، وعليه أن يستأنف، ونقل عن نصه في موضع آخر أنه يبني على صلاته، واختلفوا فيهما على طريقتين حكاهما أصحابنا العراقيون.

وأحدهما: أن المسألة على قولين:

أحدهما: أن الركوب يُبْطِلُ الصلاة؛ لأنه عمل كثير.

والثاني: لا يبطلها؛ لأن العمل الكثير بعذر شدة الخوف لا يقدح.

وأظهرهما -وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق-: أن النصين محمولان على حالين، حيث قال: يستأنف الصَّلاة، أراد ما لم (١) يكن مضطراً إلى الركوب وكان يقدر على القتال، وإتمام الصَّلاة راجلاً فركب احتياطاً، وأخذ بالحزم، وحيث قال: (يبني) أراد ما إذا صار مضطراً إلى الركوب، ثم قال هؤلاء: إذا قل فعله في الركوب لحذقه بني بلا خلاف، وإن أكثر فعله، ففيه الوجهان المذكوران في العمل الكثير للحاجة، والمذكور في الكتاب هو الطريق الثاني، فقوله: (ومهما فاجأه في أثناء صلاته (٢) خوف) عبارة عن الحالة الأولى، وقوله: (وإن أرهقه الخوف فركب) عبارة عن الحالة الثانية، وحينئذ لا يخفى أن قوله: (لا يصح بناء الصلاة) وقوله: (جاز البناء) ينبغي أن يعلَّما بالواو وإشارة إلى الطريقة الأولى، وقد أدخل بين الكلامين سورة وهي عكس هذه المسألة، وهي أنه لو كان يصلي راكباَ في شدة الخوف فانقطع الخوف، نَص الشافعي -رضي الله عنه- على أنه ينزل ويبني على صلاته، وفرق بينه وبين الركوب على قوله بأنه إذا ركب استأنف بأن قال: النزول أخف وأقل عملاً من الركوب، واعترض المزني عليه بأن هذا لا ينضبط، وقد يكون الفارس أخف ركوباً وأقل شغلاً لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس، واختلف الأصحاب في الجواز بحسب اختلافهم في الركوب، فمن أثبت الخلاف في الركوب على الإطلاق فرق بين الركوب على أحد القولين، وبين النزول بأن قال: نزول كل فارس أخف من ركوبه، وإن أمكن أن يكون أثقل من ركوب فارس آخر، ومن نزل النَّصَّيْن في الركوب على الحالين المذكورين قال: لا فرق بين الركوب والنزول إن حصل بفعل قليل بني وإن كثر الفعل، فوجهان، وتبين من هذا الحاجة إلى


(١) في ب: ما إذا لم.
(٢) في ط: الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>