للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفريعاً على التعلق بالعَيْن فكذلك القِسْمَة إذا جعلناها بيعاً، وإن جعلناها إفرازاً فلا منع، وجميع ما ذكرنا من المسألة فيما إذا لم يكن على الميت دين فأما إذا مات وعليه دين وخلف على ورثته نخيلاً مثمرة فبدا الصَّلاَح فيها بعد موته، وقبل أن تباع في الدين - ففي وجوب الزكاة فيها على الورثة قولان حكاهما الشيخ أبو علي:

أحدهما: لا يجب؛ لأن ملكهم فيها غير مستقرّ في الحال، إنما يستقر بعد قضاء الدَّيْن من غيره، فأشبه ملك المُكَاتب لما لم يستقر إلاَّ بتقدير أداء النُّجوم لم تجب الزكاة فيه قبل ذلك.

وأصحهما: وهو الذي أورده الجمهور: يجب؛ لأنها ملكهم ما لم تبع في الدَّين ألا ترى أن لهم أن يمسكوها ويقضوا الدين من موضع آخر؟ فإذا ملكوا وهم من أهل الزكاة لزمهم الزكاة، فعلى هذا القول في أنهم يزكون زكاة الخلْطَة والانْفِرَاد على ما سبق فيها إذا لم يكن على الميت دين. قال الشيخ: ويمكن بناء القولين على الخلاف في أَنَّ الدين هل يمنع الميراث؟ فيه قولان وغيره يحكيه وجهين:

أحدهما: ويروى عن الإصطخري: نعم؛ لأن الله تعالى أثبت الإرث بعد الدَّيْن حيث قال: "مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ (١).

وأصحهما: لا، لأن الدَّين لا يستحق إلا التعلّق به وطلب الحق منه، فتكون الرَّقبة لهم كالمال المرهون، والعبد الجاني رقبتهما للمالك، فإذا فَرَّعنا على الأصح وهو وجوب الزَّكَاة عليهم، فإن كانوا موسرين أخذت الزكاة منهم، وصرفت النخيل والثمار إلى دين الغرماء، وإن كانوا معسرين فهل تؤخذ الزكاة منهم؟ فيه طريقان:

أحدهما: أنه على الخلاف في أن الزكاة تتعلق بالذمة أو بالعين إن قلنا بالذمة والمال مرهون بها، فيخرج على الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدميين، فإن سوينا وزعنا المال على الزكاة، وحق الغرماء وإن قلنا: تتعلق بالعَيْن أخذت الزكوة سواء قلنا بتعلق الشركة أو بِمِثْل تعلق الأَرْش.

والطريق الثاني: وهو الأصح: أن الزَّكَاة تؤخذ بكل حال؛ لأن حق الزكاة أقوى تعلقاً بالمال من حق الرهن، ألا ترى أن الزكاة تسقط بتلف المال بعد الوجوب، وقبل إمكان الأداء، والدَّين لا يسقط بهلاك الرهن ثم حق المرتهن مقدم على الحق غيره فحق الزكاة أولى أن يكون مقدماً ثم إذا أخذت الزَّكاة من العَيْن ولم يَفِ الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا؛ لأن وجوب الزَّكَاة عليهم وبسببه تلف ذلك القدر على الغرماء.


(١) سورة النساء، الآية ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>