للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعند أبي حنيفةَ: يجوزُ تملُّكُهَا بالإحْياء؛ لأنَّها باندراس العمارة عادَتْ مواتاً، وعن مالكٍ مثلُهُ، وعنْه أنَّه، إن تركها مختاراً، عادت مواتاً، وإن خربت بموته أو غيبته، فلا. وإن كانت العمارةُ جاهليَّةً، فقولان. ويقال وجهان:

أحدهُمَا: وبه قال أبو إسحاق: أنَّها لا تُمْلَكُ بالإحياء؛ لأنَّها كانت مملوكةً، والموات ما لم يجرْ عليه مِلْكٌ، ولأنهُ يجوزُ أن يكونَ مِلْكاً لكافر، لم تبلغهُ الدعوة.

وأصحُّهِمَا: أنَّها تُمْلَكُ -لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"عَادِيُّ الأرضِ لله وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي" (١)، ولأنَّ الرَّكاز يَمْلَكُ مع كونهِ مملوكاً لأهْلِ الجاهليَّةِ، فكذلك الأرَاضِي.

وعن ابن سُرَيْجٍ وغيرِهِ رفْعُ الخلاف، وتنزيل الجوابَيْن على حالَيْن، إن بقي أثر العمارةِ، أو كان معْمُوراً في جاهليَّةٍ قريبة، لم تُمْلَك بالإحياء، وإن اندرستْ بالكلية، وتقادَمَ عَهدُهَا مُلِكَت، ثم عمَّم صاحب "التهذيب" وآخرون هذا الخلاف، وفرَّعوا عَلَى قول المنع أنَّها إن أخِذَتْ بقتالٍ، فهي للغانمين، وإلاَّ، فهي من أراضي الفَيْءِ.

وقال الإمامُ: مَوضِع الخلافِ ما إذا لم يُعلم كيفيةُ استِيلاَء المُسْلمين عليه ودخوله تحْتَ يدهم، أمَّا إذا عُلِمَتْ، فإن دخَلَتْ في أيديهم بقتال، فهي للغانمين، وإلاَّ، فهي فقئ وحصَّة الغانمين تلْتحق بمِلْك المسْلِم الذي لا يعرف.

وطَرَدِ طارِدُون الخلافَ فيما إذا كانت العمارةُ إسلامية، ولَم يُعْرف مَالِكُهَا، وقالوا: هي كلَقَطَةٍ لا يُعرَفُ مالكُها. والأكثرون فَرَّقُوا بين ما إذا كانتْ لكافرٍ، وبيْن ما إذا كانتْ لمُسْلِمٍ، كما قدَّمنا، وأحتجُّوا له بما رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً في غَيْرِ حَقِّ مُسْلِم، فَهِيَ لَهُ" (٢).

والقسم الثاني: أراضِي بلادِ الكُفْر ولها أحوالٌ:

الحالةُ الأولى: إذا كانتْ معمورةً، فلا مدْخلَ للإحياء فيها؛ بل هي كسائر أموالِ الكفَّار، فإنِ استولَيْنا عليها بقتالٍ، أو بغَيْر قتالٍ، لم يَخْفَ حكْمُهُ.

الحالةُ الثانية: إذا لم تَكُنْ معمورةً في الحالِ، ولا مِنْ قبلُ، فَيَمْلكُهَا الكفَّارُ بالإحياء. وأمَّا المسلمُون، فيُنْظر؛ إن كان مواتاً لا يذبُّونَ المسلمينَ عنْها، فلهُمْ تملكها بالإحياء أيضاً، ولا تُمْلَكُ بالاستيلاء؛ لأنَّها غيرُ مملوكةٍ لهُمْ، حتى تمُلكَ عليهم، وإن كان مواتاً يذبون المسلمين عنْه، لم تُمْلَك بالإحياء كالمعمور من بلادهمْ، فإن استولَيْنا علَيْه، ففيه وجوهٌ:


(١) تقدم.
(٢) رواه البيهقي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف. وقال الحافظ في التلخيص: وقد تقدم عزوه لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>