للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاةً في أحد البلدين، فعن نص الشافعيِّ -رضي الله عنه- أنه قال: "كَرِهْتُهُ، وَأَجْزَأَهُ".

قال أبو حفصِ بْنُ الوكيل -رحمه الله-: هذا جوابٌ على جواز نقل الصدقة، وإلا فيؤدي في كل بلد نصْفُ شاة، والظاهرُ جوازه على القولَيْن، وعلَّلوه بمعنيين:

أحدهما: أن له في كلِّ بلدة مالاً، فيخرج فيما شاء منهما.

والثاني: أنَّ الواجبَ شاةٌ، فلا شِقْص، ويتفرع عليهما ما لو ملك مائةً ببلد آخر، فعلى الأول: له إخراجُ شاتين في أيهما شاء، وعلى الثاني: لا يجزئه ذلك، وهو الأصحُّ، وفي صدقة الفطر لو كان الشخصُ ببلد، والمال بآخر، فوجهان:

أحدهما: أن الاعتبار ببلد المال لأنها تؤدي بالمال.

وأصحُّهما: الاعتبارُ ببلد (١) المالك؛ لأن الوجوب بسببه؛ فإنها صدقة البدن.

والثاني: أرباب الأموال صنفان:

أحدهما: المقيمون في بلدةٍ أو قريةٍ أو موضعٍ من الباديةِ، لا يظعنون [عنه] (٢) شتاءً ولا صيفاً إلاَّ لحاجة، فعليهم صرف صدقاتهم إلَى من في ذلك الموضع من الأصناف لا يخرجُونَها عنه، ويستوي فيه المقيمون والغُرَبَاء.

والثاني: أهل الخيامِ الذي ينتقلُونَ من بقعة إلى بقعة، فينظر إنْ لم يكن لهم قرارٌ، بل كانوا يطوفون في البلاد أبداً، فيصرفون صدقتهم إلى من معهم من الأصناف، فإن لم يكن معهم مستحق، نقلوه إلى أقرب البلاد إليهم عند تمام الحَوْل، وهؤلاءِ هم الدين أرادهم صاحب الكتاب بقوله: "إنْ كانُوا مجتازين" وإن كان لهم موضعٌ يسكنونه وربَّما ارتحلُّوا عنه منتجعين، ثم عادُوا إليه، فإن لم يتميَّز البعضُ عن البعْضِ، ولم ينفردُوا بماءٍ ومرعَى، فيصرفون صدقتهم إلَى من هو فيما دون مسافة القَصْر من موضع المال، فإنهم جميعاً حاضرون عنْده، ولهذا عَدِّدْنَا مَنْ كان فيما دون مسافة القصر من حاضري المسْجد الحرام، والصرف من هؤلاء إلى اللذين يظْعَنُون بظَعَنِهِمْ، ويقيمون بإقامتهم أَولَى؛ لأنهم آكَدُ جواراً، وإن تميَّزت الْحِلَّة عن الْحِلَّة، وانفردتْ بالماء والمرعَى على عادة قبائل العرب، فوجهان:

أحدهما: حوازُ الصَّرْف إلَى من هو في مسافة القَصْر، كما في الصورة الأُولَى.


(١) قال النووي: ولو كان له من تلزمه فطرته وهو ببلد، فالظاهر أن الاعتبار ببلد المؤدي عنه. وقال في "البيان": الذى يقتضي المذهب، أنه يبني على الوجهين في أنها تجب على المؤدِّي ابتداءً، أم على المؤدى عنه فتصرف في بلد من تجب عليه ابتداء. والله أعلم.
(٢) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>