للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن الكتابة كناية، والكنايات تَعْمَل بالنية، والشهود لا يَطَّلِعُون على النيات، فإن قال بعد الكتابة: نَوَيْتُ، عند الكتابة، فهُمْ شُهود على إقراره بالعقد، لا على نَفس العَقْد، والأظهر في النكاح المَنْع، ومن جوَّزه اعتمد الحاجة للغيبة، وإذا قلنا بانعقاد البَيْع والنكاح بالكتابة، فذلك في حال الغَيْبة، فأما عند الحضور، فالخلافُ يترتَّب على ما سَبَق، ويجيْء من الترتيب طريقة قاطعة بالمَنْع، وبهذا أجاب القاضي أبو سَعْد الهَرَويُّ في النكاح على ما ذَكْرنا في بابه، وإليها ميل الإِمام، وحيْث حَكمنا بانعقاد النكاح، بالكتابة فيكتب: زوجْتُ بنتي منك، وَيشْهد الكِتَابَ عدْلان، فإذا بلَغَه، فيقبل لفظاً أو يكْتُب القبول، ويشهد القبول شاهدَا الإِيجاب، فإن شَهِد آخران فوجهان:

أحدهما: الجواز، ويُحْتَمَل ذلك كما احتمل الفصل بين الشقين للحاجة، وأصحهما المنع؛ لأن واحداً منهما ما يحضر العقد بتمامه.

ويُشْتَرط أن يكون القَبُول لفظاً أو كناية على الفور، وفيه وجه ضعيف كما تقدَّم.

ولو كتب إلى إنسان: إني وكَّلْتُك ببيع كذا من مالي، أو بإعتاق عَبْدي، فإن قُلْنَا: الوَكَالَة لا تحْتَاج إلى القبول، فهو ككتبه الطَّلاق، وإن قلنا تحتاج إليه، فكالبيع ونحوه من العقود.

وقوله في الكتاب "فَيَكْتُب، أمَّا بَعْدُ" لا يخفى أن لفظة "أمَّا بَعْدُ" غير متعيّنة، وإنما أجراها على سبيل الرسائل.

وقوله "ويُشْهِدُ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ" فيه توسُّع أي وَيشْهَدُه شاهدان، وكذا قوله "ويُشْهِدُ عَلَيْهِ شَاهِدَيِ الإِيجَابِ" فإن المرعى حضور الشهود لا غَيْر.

وقوله: في "الحَالِ" وقوله: "عَلَى الفَوْرِ" يجوز إعلامهما بالواو؛ لما عرفْتَ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ كَتَبَ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَقَرَأَ وَنَوَى وَقَعَ، وَإِنْ قَرَأَ وَقَالَ: قَصَدتُّ القِرَاءَةَ دَوْنَ الطَّلاَقِ قُبِلَ في الظَّاهِرِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ يَدِينُ، وَلَوْ كَتَبَ إِلَيْهَا: أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى وَقَعَ فِي الحَالِ، وَإذَا قَالَ: إِذَا قَرَأْتِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ إِذَا قَرَأَتْ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أُمِّيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ قَارِئَةً فَقَرَأَ علَيْهَا غَيْرُهَا لَمْ تُطَلَّقْ عَلَى الأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ: إِذَا بَلَغَكِ الكِتَابُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَهَا وَقَدَ انْمَحَى جَمِيعُ الأَسْطُر لَمْ يَقَعْ (و)، وَإِنْ لَمْ يَنْمَحِ إِلاَّ أَسْطُرُ الطَّلاَقِ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ لَمْ يَنْمَحِ إِلاَّ الصَّدْرُ وَالتَّسْمِيَة دُونَ المَقَاصدِ فوَجْهَانِ مُرَتَّبَان، وَأَوْلَى بِأَنْ يَقَعَ، وَإِنْ انْمَحَى الجَمِيعُ إِلاَّ سَطْرُ الطَّلاَقِ فَأَوْلَى بِأَنْ يَقَعَ، وَإِنْ سَقَطَ الحَوَاشِي دُونَ المَكْتُوبِ وَقَعَ (و).

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا كتب: زَوْجَتي طالقٌ، أو يا فلانةٌ أنْتِ طالقٌ أو كلُّ زوْجَةٍ لي

<<  <  ج: ص:  >  >>