للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطلاق في حال انقضاء العدَّة، وحصول البينونة، ولهذا لو قال: أنتِ طالقٌ مع موتي لَمْ يِقع الطلاق إذا مات؛ لأنه وقْتُ انتهاء النكاح، ولو قال: إذا طلقتكِ، فأنتِ طالقٌ، وهي غَيْر مدخول بها, لم تقَعْ طلقة أخرى، لمصادفتها حال البينونة وأمَّا ما نُقِلَ عن "الإِملاء" ففيه طريقان:

أحدهما: تسليمه قولاً آخر في المسألة، والقائلون به وجَّهوه بطريقين:

أحدهما: أن هذا الطلاق لا يتأخَّر عن العدَّة، وإنَّما يقارن آخرها وإذا كان وقْت الوقوع وانقضاء العدة واحداً، كفى (١) ذلك وحُكِمَ بالوقوع تغليباً للطلاق المبنيَّ على سُرْعَة النفوذ، هكذا وجَّهه أبو يعقُوب الأبيورديُّ -رحمه الله- تعالَى جَدُّهُ وهؤلاء قالوا: -لو قال للرجعية: أنتِ طالقٌ مع انقضاء عدتك، ففي وقوع الطلاق قولان، بخلاف ما لو قال: بعْد انقضاءِ عدَّتك، وربما استشهد بما إذا قال لغير المدخول بها: أنتِ طالقٌ طلقةً مَعَها طلقةٌ فإنا (٢) نحكُم بوقوع طلقتين على وجْه، بخلاف ما إذا قال: طلقةً بعد طلقةٍ، وعن الخضري وغيره تخريجُ قول فيما إذا قال: "مع" موتي، أنها تطلق في آخر جزء من أجزاء الحياة.

والثاني: عن الخضري والقفَّال؛ بناء القولين على القولَيْن في أن الرجعية إذا طُلِّقَت هل تستأنف العدَّة أم لا؟ إن قلنا: لا، لم تطلَّق [هنا ولم يلزم العدَّة] وإن قلْنا: نعم، فكما وقَعَ الطلاق، ارتفعت العدَّة، ولزمت عدة أخرى هنَاك فكذلك هاهنا؛ وعلى هذا حكى الإِمام عن القفَّال، أنَّه لا يقضي بأن الطلاق يقع وهي في بقية من العدَّة الماضية، ولا بأنَّه يقع في مستفتح العدَّة المستقبلة، ولكن يَقَع على مُنْفَصِل الانقطاع والاستقبال، فهو كما لو قال لامرأته: أنت طالقٌ بين الليل والنهار، يقع لا في جزء من النهار، ولا في جزء من الليل، ثم تكلم عليه فقال: لا معنى للمنفصل (٣)، وليس بين انقضاء العدة الأولَى، واستفتاح الثانية لو قدرناها زمان، والحكم بوقوع الطلاق لا في زمان محالٌ، وذكَرَ قوله [بين] (٤) الليل والنهار" أنَّه، يقع الطلاق في آخر جزْء من النهار؛ لتكون متصفة بالطلاق في منقطع النهار، ومبتدأ الليل، وأما الشَّيْخ أبو عليٍّ، فإنَّه ذكر في "التقريب" [وجه] المسألة المستشهد بها على وجْه آخرَ، فقال: إذا اتَّصَل أول العِدَّة الثانية بآخر العدة الأولى، كان الطَّلاق في العدَّة، وهو كقول القائل: أنتِ طالقٌ بين الليل والنهار، تطلق إذا جاء أول الليل، ولا يقال: وقع لا في الليل ولا في النهار؛ لأنَّ طرف أحدهما متصل بطرف الآخر، وليس بينهما زمان، والله أعلم.


(١) في ز: يكفي.
(٢) في ز. فإنما.
(٣) في أ: للمتصل.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>