للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه، ووجهوه (١) بأنا سوَّينا في حال الاختيار بيْن دخوله بنَفْسه، ودخوله محمولاً، فكذلك يستوي في حال عدم الاختيار بيْن دخوله بنفسه ودخوله محمولاً.

الرابعة: إذا علَّق الطلاق بقذف زيْد، وقع الطلاق بقذفه حيًّا كان أو ميتاً؛ لأن قذف الميت كقذف الحيِّ في الحكم، ووقوع اللفظ عليه ولو قال: إن قذفت فلانًا في المسجد فأنتِ طالقٌ، فالمعتبر كون القاذف بالمسجد، بخلاف ما لو قال: إن قتلت فلانًا من المسجد فأنتِ طالقٌ، كان يعتبر المقتول في المسجد.

والفرق أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع مما يهتك حرمة المسجد، وهتك الحرمة يكون القذف والقتل في المسجد يحصل إذا كان القاذف فيه، والقتل من المسجد إنما يحصل إذا كان المقتول فيه، فلو قال المعلِّق: أردت في القَذْف كَوْن المقذوف في المسجد، وفي القَتْل كَوْنَ القاتل في المسجد، فهل يُقْبل ظاهراً.

وحكى الإِمام فيه تردُّدًا، والظاهر القبول، لصلاحية اللفظ للمعنيين، وإذا كان الفَرْق عنْد ذكْر المسجد مأخوذًا من قرينة الحال، فلو قال: إن قَذَفْت في الدار، وقتلت وجب الحال وُيرَاجَع المعلِّق.

الخامسة: إذا قال: إن رأَيت فلانًا، فأنْتِ طالقٌ، فرأتْه حيًّا أو ميتاً، مستيقظًا أو نائمًا، وقع الطلاق، ولا بأْس يكون المرئي أو الرائي مجنونًا أو سكرانًا ويكْفِي رؤية شيْء من بدنه، وإن قلَّ.

وفي وجْه المعتبر رؤية الوجْه، وإن كان كله ملفوفًا في الثوب، لم تُطلَّق، ولو رأتْه في المنام، لا تُطلَّق؛ فإنَّه لا يقع اسم الرؤية المُطلقَة، عليْه، وإن كان في ماءٍ صافٍ لا يمنع الرؤية، فَرَأَتْهُ فيه، فعن القاضي الحُسَيْن: أنه لا يقع الطلاق، والصحيح الوقوع، والماء اللطيف بَيْن الرائي والمرئي كأجزاء الهواء بينهما, ولهذا لا تصحُّ صلاة الواقف في هذا الماء ويكونُ حكمه حُكْمَ العارين، ولو رأَتْه من وراء زُجَاج شفَّافٍ، فهو كما لو كان في الماء، فرأته ولو نظرت في المرآة أو في الماء فرأتْه؟ قال الإِمام هذا فيه احتمال؛ لأنه، إن حصَلَت الرؤية في الحقيقة، لكنه يصحُّ في العرف أن يقال: ما رآه، وإنما رأى مثاله أو خياله، والظاهر أنَّه لا يقَعُ الطلاق، وبه أجاب صاحب "التهذيب" في المرآة والمتولِّي في المرآة والماء جميعاً، ولو كانت المرأة عمياء، فقال: إن رأيت فلاناً، فأنتِ طالقٌ، ففي "النهاية" أن المذهب أن الطلاق معلَّق بمستحيلٍ، فلا يقع، وفيه وجْه أنَّه يحمل (٢) على حضورها عنْده، واجتماعهما في مجْلس واحد؛ لأن الأعمى يقول رأيتُ اليَوْم فلانًا، ويريد الحضور عنْده.


(١) في ز: ووجهه.
(٢) في ز: يحتمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>