للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن ما ذَكَرْنَاهُ من أنَّه: هل يُقَوَّمُ مَا رُقَّ عند العجز يشبه أن يكون تَفْرِيعاً على أن السِّرَايَةِ تَثْبُتُ عند العجز، وإنَّا إذا أثبتنا السِّرَايَةَ هاهنا يجيء القَوْلُ الآخَرُ في أنها تَثْبُتُ في الحال.

وقد أَطْلَقَ الإِمَامُ والمُصَنِّفُ في مسألة الكتابة قَوْلَيْنِ في أنَّه إذا عتق نصيب المُصَدّقِ؛ هل يَسْرِي العِتْقُ إلى نصيب المكذب؟

أحدهما: نعم؛ لأنه عتق نَصِيبُهُ.

والثاني: لا؛ لأنه يقول: عُتِقَ النصيبان معاً، فلا معنى لإلْزَامِهِ السِّرَايَةَ، وتَمَامُ التَّفْرِيع على هذا الإِيراد أن يقال: إن قلنا: لا سِرَايَةَ فذاك، وإن أَثْبَتنَاهَا فتثبت في الحال، أو عند العجز؟ فيه القولان.

وقوله في الكتاب: "ويجري الخلاف في السِّرَايَةِ عليه؛ لأنه مختار في التصديق" مَحْمُولٌ على القولين اللَّذَيْنِ أَطلَقَهُمَا الإِمُامُ على ما بَيَّنهُ في "الوسيط"، لكن ذكر الخلاف بالألف واللام ليس بِحَسَنِ المَوْقِع؛ لأن الخِلاَفِ في [أنَّه] (١) هل يَسْرِي؟ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ حتى يُعَرَّفَ بالألف واللام، ورَده إلى ما ذكر من قبل أن الكتابة هل تمنع السراية؟ بعيد، وكان الأَوْلَى أن يقول: وفي السِّرَايَةِ عليه خِلاَفٌ.

وقوله: "لأنه مُخْتَارٌ في التَّصْدِيقِ" توجيه السِّرَايَةِ، كأنه يقول: هو بالتصديق مختار لِلْعِتْقِ، فَأشْبَهَ ما إذا أَعْتَقَ أو أبْرَأَ عن النجوم.

ولو قال المُكَاتَبُ لأحدهما: دفعت النُّجُومَ إليك لِتَأْخُذَ نَصِيبَكَ، وتدفع نَصِيبَ الآخر إليه -كما صورنا- فقال في الجَوَاب: قد فَعَلْتُ ما أَمَرْتَ به، وأنت عَتِيقٌ فأنكر الآخر، عُتِقَ نصيب المُقِرِّ، وصدق المُنْكرُ بيَمِينِهِ، فإذا حلف، بَقِيَ نَصِيبُهُ مُكَاتباً، وله الخِيَارُ بين أخذ حِصَّتِهِ من المكاتب، وبين أَخْذِهِ من المقر لإقراره بأخذها، ومن أَيِّهِمَا أخذ عُتِقَ نصيبه، ثم إن أخذها من المكاتب، فله الرُّجُوعُ على المِقِرِّ؛ لأنه وإن صَدَّقَهُ في الدفع إلى الشريك -فإنه كان ينبغي أن يُشْهِدَ عليه.

وإن أخذها من المقر، فلا رُجُوعَ له على المُكَاتَب لاعْتِرَافه بأنه مَظْلُومٌ، وإذا اختار الرُّجُوعَ على المُكَاتَبِ، فله يأخذ حِصَّتَهُ من المقرَ، ولم يَدْفَعْهَا إلى المنكر، وعَجَّزَ نفسه، فَنِصْفُهُ حُرٌّ، ونصفه رقيق، فَيُقَوَّمُ على المُقِرِّ، فيأخذ المنكر منه قِيمَةَ النصف، ويأخذ أيضاً ما أقر له بقبضه، فإنه كسب النصف الذي كان مَلِكَهُ. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرَّابِعَةُ: أَحَدُ الابْنَيْنِ الوَارِثَيْنِ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ نَفَذَ، وَيَسْرِي عَلَى


(١) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>