للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالثة:] (١) أن لا تكون وطنه قد أقام بها مدة، فهل يترخص إذا عاد إليها؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، كما لو كانت وطنًا له، وهذا هو الذي ذكره في "التهذيب".

والثاني: نعم؛ لأنه أبطل عزم الإقامة وليست وطناً له، فكانت بالإضافة إليه كسائر المنازل، وهذا هو المذكور في "التتمة" والأصح عند إمام الحرمين وصاحب الكتاب؛ وحيث حكمنا بأنه لا يترخص إذا عاد إليه، فلو نوى أن يعود ولم بعدُ لا يترخص أيضاً، ويصير بالنية مقيمًا، ولا فرق بين حالة الرجوع وحالة الحصول في البلدة المرجوع، إليها أن ترخص ترخص فيهما، وإلا فلا، فقد صَرَّح بالتسوية بينهما في "الوسيط"، وبينه بقوله هاهنا: "لم يقصر في رجوعه إلى وطنه" على أنه لا يقصر في الوطن، بطريق الأولى، ولا يخفى أن الكلام مفروض فيما إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن قدر مسافة القصر، وإلا فهو سَفَر مُنْشَأٌ.

ويجوز أن يعلم قوله: (لم يقصر في رجوعه) بالواو، لأن القاضي أبا المكارم ذكر في "العدة": أنه يجوز له القصر في طريق البلد ذاهباً وجائياً ما لم يدخل البلد، فإذا دخل لا يقصر.

وقوله: (إلاَّ إذا رجع) استثناء منفصل، فإن البلدة التي تكون وطنًا له لا يكون الإنسان غريباً بها.

قال الغزالي: ثُمَّ نِهَايَةُ سَفَرِهِ بِالْعَوْدِ إلَى عُمْرَانِ الوَطَنِ أَوْ بِالْعَزْمِ عَلَى الاِقَامَةِ مُطْلِقاً أَوْ مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى ثَلاَثة أَيَّام لَيْسَ فِيهَا يَوْمُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الْبَلَدِ غَرَضٌ يَعْلَمُ أنَّهُ لاَ يُنْتَجَزُ فِي ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ مُقِيمٌ، إلاَّ إِذَا كانَ الغَرَضُ قِتالاً فَيَتَرَخَّصُ عَلَى أَظْهَرِ القَوْلَيْنِ لِفِعْلِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَلْ يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ المُدَّةِ؟ فَقَوْلاَنِ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ انتِجَازَ غَرَضِهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الارْتِحَالِ تَرَخَّصَ إنْ كَانَ الغَرَضُ قِتَالاً، وإنْ كانَ غَيْرَهُ فَقَوْلاَنِ.

قال الرافعي: غرض الفصل الكلام في ما ينتهي به السفر، وقد عده في الوسيط ثلاثة أمور:

أحدها: العود إلى الوطن.

والضبط فيه: أن يرجع إلى الموضع الذي شرطنا مفارقته في إنشاء السفر منه،


(١) سقط في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>