للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنع عمر -رضي الله عنه- أهل الذِّمَّةِ من الإقامة في أَرْضِ الحِجَاز، وجَوَّزَ للمجتازين بها المُكْثَ ثلاثة أيَّام.

وإن نوى الإقامة أكثر من ثلاثة أيام فعبارة الشافعي -رضي الله عنه- وجمهور الأصحاب: أنه إذا قصد إقامة أربعة أيام صار مقيماً، وذلك يقتضي أن لا يكون قصد إقامة ما دون الأربعة منهياً للسفر وإن زاد على ثلاثة أيام، وقد صرح به كثيرون، واختلفوا في أن الأيام الأربعة كيف تحتسب على وجهين مذكورين في "التهذيب" وغيره.

أحدهما: أنه يحتسب يوم الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث، ويوم نزع الخف في مدة المسح.

وأصحهما (١): لا؛ لأن المسافر لا يستوعب النَّهار بالسير إنما يسير في بعضه، وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار، ولأنه في يوم الدخول في شغل الحط وتنضيد الأمتعة، ويوم الخروج في شغل الارتحال، وهما من أشغال السفر، فعلى الأول لو دخل يوم السبت وقت الزوال على عزم الخروج يوم الأربعاء وقت الزوال، فقد صار مقيماً لبلوغ المكث في البلد أربعة أيام، وعلى الثاني لا يصير مقيماً، وإن دخل ضحوة يوم السبت على عزم الخروج عشية يوم الأربعاء.

وقال صاحب الكتاب وشيخه: متى نوى إقامة زيادة على ثلاثة أيام فقد صار مقيماً، وهذا الذي ذكرنا يوهم أنه على خلاف قول الجمهور، لأنهم احتملوا ما دون الأربعة، وإن زاد على الثلاثة وهما لم يحتملا زيادة، وهو كذلك من حيث الصورة، لكن لا خلاف في الحقيقة؛ لأنهم احتملوا زيادة لا تبلغ الأربعة غير يومي الدخول والخروج، [وهما لم يحتملا زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج] (٢) وفرض الزيادة على الثلاثة بحيث لا تبلغ الأربعة، ويكون غير يومي الدخول والخروجِ مما لا يمكن وقد روي: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ إِلَى مِنًى، كُلُّ ذلِكَ يَقْصُرُ" (٣).


(١) لأن في الأول الحط ومن الثاني الرحيل، وهما من أشغال السفر، والثاني يحسبان كما يحسب مسح الحف ويوم الحدث ويوم النزاع، وفرق الأول بأن المسافر لا يستوعب النهار بالسير، وإنما يسير في بعضه وهو من يرمي الدخول والخروج سائر من بعض النهار بخلاف اللبس، فإنه مستوعب للمدة، وعلى القول بأنهما يحسبان إنما يحسبان بالتلفيق لا يومان كاملان.
(٢) سقط في (ب).
(٣) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢/ ٤٤) لم أر هذا في رواية مصرحة بذلك، وإنما هذا مأخوذ من الاستقرار، ففي الصحيحين عن جابر: قدمنا صبح رابعة، وفي الصحيحين أن الوقفة كانت الجمعة، وإذا كان الرابع يوم الأحد كان التاسع يوم الجمعة بلا شك، فثبت أن الخروج كان يوم الخميس، وأما القصر فرواه أنس وروايته في الصحيحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>