للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: تفارقه قبل التشهد، وعلى هذا القول تصح صلاة الإمام، وفي صلاة الطوائف قولان: المنقول عن "الأم" أن صلاتهم صحيحة، وعن "الإملاء" أن صلاتهم باطلة سوى صلاة الطائفة الرابعة، وبنوا ذلك على أن المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة الإمام بغير عذر هل تبطل صلاتُه أم لا؟ وقالوا: الطوائف الثلاث خرجوا عن صلاة الإمام بغير عذر؛ لأن وقت المفارقة ما نقل عن فعل المقتدين بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو نصف الصَّلاة، وكل طائفة من الثلاث قد فارقته قبل تمام النصف، وأما الطَّائفة الرابعة فإنها لم تخرج عن صلاة الإمام، بل أتمت صلاة على حكم المتابعة، وليس هذا البناء والفرق صافياً عن الإشكال -والله أعلم-.

وإن فرعنا على أن لا يجوز ذلك فصلاة الإمام باطلة، ومتى تبطل؟ فيه وجهان.

قال ابن سُرَيْج: تبطل بالانتظار الثالث، وهو الواقع في الرَّكعة الرابعة، ولا تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة، لأنه انتظر مرَّة للطائفة الثانية في الركعة الثانية، وانتظاره في الركعة الثالثة هو انتظاره الثاني إذا لم يكن له في الأولى انتظار، وقد ثبت من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، انتظاران فلا بأس بهما، ولا فرق في الفصلين سوى أن المنتظر ثم في المرتين الطائفة الثانية، والمنتظر هاهنا في المرة الثانية طائفة أخرى، لكن هذا لا يضر إذا لم يزد عدد الانتظار، كما لا يضر زيادة قدر الانتظار لو فرقهم فرقتين وصلَّى بكل واحدة ركعتين، وقال جمهور الأصحاب: تبطل صلاتُه بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة؛ لمخالفته الانتظار الثاني الذي ورد النقل به في المنتظر وفي القدر، فأما المنتظر فقد وضح، وأما في القدر فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- انتظر في الركعة الثانية فراغ الطائفة الثانية فحسب والإمام هاهنا ينتظر فراغ الثانية وذهابها إلى وجه العدو، ومجيء الثَّالثة، والذي قاله الجمهور وهو ظاهر النص، ولذلك قد يعبر عن هذا الخلاف بقولين منصوص ومخرَّجٌ لابن سريج، ثم حكي في "البيان" وجهين تفريعاً على ظاهر النص.

أحدهما: أن صلاته تبطل بمضي الطائفة الثانية، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينتظرهم في المرة الثَّانية إلا قدر ما أتمت صلاتها، فإذا زاد بَطَل.

والثاني -وبه قال الشيخ أبو حامد-: أنها تبطل بمضي قدر ركعة من انتظاره الثاني، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينتظر الطَّائِفتين جميعاً، إلا بقدر الصَّلاة التي هو فيها مع الذهاب والمجيء وهذا وقد انتظر في المرة الأولى قدر ما صَلَّت الطائفة الأولى ثلاث ركعات وذهبت وجاءت الثانية، فإذا مضى قدر ركعة فقد تَمَّ قدر الانتظار المنقول فتبطل صلاتُه بالزيادة عليه، هذا هو الكلام في صلاة الإمام تفريعاً على قول المنع، وأما صلاة الطَّوائف فتبنى على صلاته فَتَصحّ صلاة الطائفة الأولى والثانية على ظاهر النَّص وقول ابْنُ سُرَيْج معاً؛ لأنهم فارقوه قبل بطلان صلاته، وصلاة الطَّائفة الرابعة باطلة إن علمت

<<  <  ج: ص:  >  >>