للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم: أنا إذا قلنا: إن المَوْجُودَ فِي صورة التَّرَدُّدِ رَكَازٌ فَلاَ يُشْتَرِط كَوْنُ الْمَوْجُودِ عَلَى ضَرْب الجَاهِلِيَّةِ، بل الشَّرْطُ أَلاَّ يُعْلَم كَوْنُهُ عَلَى ضَرْبِ الإسْلاَم، فإذاً قوله في الكتاب: (وَيشترط كَوْنُه عَلَى ضرْبِ الجَاهِلِيَّةِ) إنما يكون مُجْرى على ظَاهِرِهِ، إذا قلنا: الموجود في صورة التَّرَدد لَيْسَ بِرَكَاَزٍ.

وقوله في المسألة الأولى: (وقيل: مال ضائع يحفظه الإمام) يُشْعِرُ بأنه لا يَبْقَى فِي يَدِ الوَاجِدِ، بل يأخُذه الإمَامُ، وَيَحْفَظُهُ.

وكلام الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ ما حكيته من قبل يُنَازَعُ فِيهِ، وَيَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْوَاجدِ مِنَ الإِمْسَاكِ لَهُ، وإطلاقه الوجهين في المَسْألَةِ الثَّانيَةِ اتباع لما حكاه الإمام فيها والأكْثَرُون لَمْ يُطْلِقُوا الوجهين، وإنما حَكُوا النَّص ووجهاً، لِبَعْضِ الأَصْحَاب كما قدَّمْنَاه، وَحَكَى صَاحِبُ "الشَّامِل" عن نَصَّه أنَّهُ يُخَمَّسُ، وَهَذَا حُكْمٌ بأنه رَكَازٌ، فَعَلَى هَذَا في المسألة قَوْلاَن: واعلم أَنه يلزم من كون الرَّكَازِ عَلَى ضَرْب الإِسْلاَم كَوْنُهُ مَدفُونًا فِي الإسْلاَمِ، ولا يلزم من كَوْنِهِ على ضرب الجَاِهِلِيَّةِ كَونُهُ مَدْفُوناً فِي الْجَاهَلِيَّةِ، لجواز أن يظفر بعض المسلمين بِكَنْزٍ جَاهِلِيٍّ، ويكنزه ثَانِياً على هيئته فيظفر به اليوم أحدٌ، فالحكم مُدَارٌ على كَوْنهِ مِن دَفْنِ الجَاهِلِيَّةِ لاَ عَلَى كَوْنه مِنْ ضَرْبِ الجَاهِلِيَّةِ.

قال الغزالي: وَيُشْتَرِطُ أَنْ يُوجَدَ فِي مَوْضِعِ مُشْتَرَكِ كَمَوَاتٍ أَوْ شَارعِ، وَمَا يُوجَدُ فِي دَارِ الحَرْبِ فَغَنِيمَةٌ أَو فَيْءٌ وَمَا يَجِدُهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ الَّذي أَحْيَاهُ يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ الخُمْسُ، وهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الإحْيَاءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَوِ اشْتَرَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ رِكَازاً يَجِبُ طَلَبُ المُحْيِى فَإِنَّهُ أَوْلَى بِهِ.

قال الرافعي: روى أن رجلاً وجد كَنزاً فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةِ، أَوْ طَرِيق مِينَاءٍ فَعَرَّفْه، وإنْ وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةِ، أَوْ قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ" (١).

الكنز بالصفة التي تقدم ذكرها، إما أن يوجد في دَارِ الإسْلاَم، أو في دَارِ الْحَرْبِ، فإن وُجِدَ فِي دَارِ الإسْلاَم، نُظِر إن وجد في مَوْضِع لَمْ يَعْمُرْهُ مُسْلِم، ولا ذُو عَهْدٍ، فَهُو رَكَازٌ، سواء كان مواتاً أو كان من القلاع العَادِية التي عمرت في الْجَاهِلِيَّةِ؛ لقوله في الحديث: "أَوْ خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ" وإن وجد في طريق شارع، فقد ذكر صاحب الكتاب أنه


(١) أخرجه الشافعي (٩٢٦) وأبو داود (١٧١٠، ١٧١١، ١٧١٢، ١٧١٣) والنسائي (٨/ ٨٤ - ٨٥) والحاكم (٢/ ٦٥) والبيهقي (٤/ ١٥٥) وأحمد (٦٦٨٣ - ٦٩٣٦) والميتاء: بكسر الميم ممدود الطريق المسلوك الذي يأتيه الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>