للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصح الرَّهْن بها؛ لأن غرض الرَّهْن بيع المرهون واستيفاء الحق من ثمنه عند الحاجة، ويستحيل اسْتيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون.

ونَقَلَ الإمام وجهاً: أنه يجوز الرَّهْن بها بناء على تجويز ضمان الأعيان المضمونة، والفرق على قول المذهب أن الضَّمَان التزام في الذمة، فلو لم تتلف العين المَضْمُونة لم يَجُزِ الالْتِزَام ضررًا، وفي الرَّهْن دوام الحَجْرِ في المرهون يجر ضرراً ظاهراً، وعن مالك أن الرَّهْن بالأعيان المضمونة جائز، وعند أبي حنيفة أنه يجوز بكل عَيْنِ تضمن بالمِثْل أو القِيْمَة.

والثانية: كونه ثابتاً.

أما الذي لم يثبت بعد فلا يجوز الرَّهْن به، كما إذا رهنه بما يستقرضه منه، أو بثمن ما يشتريه منه، لأنه وثيقة حق فلا تتقدم على الحق كالشَّهَادة، وبهذا قال أحمد، وقال أبو حنيفة ومالك: إنه جائز وحكاه القاضي ابن كجّ وجهاً عن بعض الأصحاب، إذا عيّن ليستقرضه.

ومنهم: من قال: لو تراهنا بالثَّمَن، ثم لم يتفرَّقا حتى تبايعا صَحَّ الرَّهْن إلحاقاً للحاصل في المَجْلِس بالمقترن بالإَيجاب والقبول، وعلى المَذْهَب لو ارتهن قبل ثُبُوت الحَقّ وقبضه كان مأخوذاً على جهة سَوْم الرَّهْن، فإذا استقرض أو اشترى لم يصر رهناً إلاَّ بعقد جديد، نص عليه الشيخ أبو حامد وغيره، وفيه وجه: أنه يصير رهناً.

ولو امتزج الرَّهْن بسبب ثبوت الدَّيْن بأنْ قال: بعتك هذا العبد بألف، وارتهنت هذا الثوب به. فقال المشتري: اشتريت ورهنت.

أو قال: أقرضتك هذه الدَّرَاهم وارتهنت بها عبدك، فقال: استقرضتها ورهنته فوجهان:

أصحهما: وهو ظاهر النص: صحة الرَّهْن؛ لأن شرط الرَّهْن في البيع والقرض جائز لحاجة الوثيقة، فكذلك مزجه بهما بل أولى؛ لأن الوثيقة هاهنا آكد، فإن الشرط ربما لا يفي به.

والثاني: أنه فاسد، وبه قال أبو إسحاق وهو القياس؛ لأن أحد شِقّي الرَّهْن متقدم على ثبوت الدين.

واحتج له بأنه لو قال لعبده: كاتبتك على ألف درهم، وبعت منك هذا الثوب بكذا، فقال: قَبِلْتُ الكتابة والبيع لا يصح البيع، وأجيب عنه بفرقين:

أحدهما: أَنَّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه إلا بعد أن تتم الكتابة.

الثَّاني: أنَّ الرَّهْن من مصالح البيع، والبيع ليس من مصالح الكتابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>