للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قال البائع: ارتهنت وبعت، وقال المشتري: اشتريت ورهنت لم يصح، لتقدم أحد شِقّي الرَّهْن على شقي البيع. وكذا لو قال: ارتهنت وبعت، وقال المشتري: رهنتُ واشتريت، لم يصح لتقدم أحد شِقّي الرَّهْن على أحد شقي البيع.

وبهذا قال في الكتاب، لكن يتقدم الخِطَابين والجوابين إلى آخر معناه أنَّ شرط الصِّحة تقدم خطاب البيع على خطاب الرَّهْن، وتقدم جواب البيع على جواب الرَّهْن.

وإنْ شئت قلت: الشرط أن يقع أحد شقي الرَّهْن بين شقي البيع، والآخر بعد شقي البيع. ولو قال: يعني عبدك بكذا، ورهنت به هذا الثوب، فقال البائع: بعت وارتهنت، فيبنى على الخلاف في مسألة الاستيجاب والإيجاب.

ولو قال البائع: بعتك بكذا على أنْ ترهنني دارك به.

فقال المشتري: اشتريت ورهنت فوجهان قال بعضهم: يتم العقد بما جرى وذكر في "التتمة" أنه ظاهر النص.

وقال القاضي لا يصح، بل يشترط أن يقول بعده: ارتهنت أو قبلت؛ لأن الذي وجد منه شرط إيجاب الرَّهْن لا استيجابه، كما لو قال: أفعل كذا لتبيعني لا يكون مستوجباً للبيع، وهذا أصح عند صاحب "التهذيب"، وللأول أن يقول: الصُّورة المشبه بها لا تناظر هذه؛ لأنه لم يصرح في تلك الصورة بالالتماس، وإنما أخبر عن السَّبب الداعي إلى ذلك الفعل، وهو الرغبة في البيع وهاهنا باع، وشرط عليه الرَّهْن، وهو مشتمل على الالْتماس، أو أبلغ منه ألا ترى أن أبا العباس الرُّويَانِيّ حكى في "الجُرْجَانِيّات" وجهاً أن شرط الرَّهْن في البيع يغني عن استئناف رهن بعد البيع، ويكون الشَّرْط بمنزلة الإيجاب والقبول. ويجوز إعلام قوله في الكتاب: "وليتقدم وليتأخر" بالواو للوجه المنقول عن رواية ابن كَجٍّ، وللوجه القائل بوقوع البيع في مجلس الرَّهْن.

قال الغزالي: وَكُلُّ دَيْنٍ لاَ مَصِيرَ لَهُ إِلَى الُّلُزومِ كَنُجُومِ الكِتَابَةِ لاَ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ، وَمَا هُوَ لاَزِمٌ أَوْ مَصِيرُهُ إِلَي الّلُزومِ كَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الخِيَارِ جَازَ الرَّهْنُ بِهِ، وَمَا أَصْلُهُ عَلَى الجَوَازِ لَكِن قَدْ يَصِيرُ إِلَى الُّلزُوم كَالجَعْلِ فِي الجَعَالَةِ فِيهِ وَجْهَانَ، وَالأَصَحُّ المَنْعُ لأَنَّ سَبَبَ وُجُودِهِ لَمْ يَتِمَّ قَبلَ العَمَلِ فَكَأنَّهُ غَيْرُ ثَابَتٍ.

قال الرَّافِعِيُّ: الأمر الثالث: كونه لازماً والديون الثابتة ضربان:

أحدهما: ما لا مصير له إلى الُّلزُوم بحال كنجوم الكتابة، فلا يصح الرَّهْن به؛ لأن الرَّهْن لِلتَّوْثيق والمُكَاتَب بسبيل من إسقاط النجوم متى شاء، فلا مَعْنَى لتوثيقها، وعند أبي حنيفة يصحّ الرَّهْن بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>