للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنَّه، إن كان يذهب في التفْرِيع مدَّة الإجارة، لم يصحَّ، وإن كان يبقى منها شيءٌ، يصحَّ، ولَزِمَ قسْطه من الأُجْرة، إذا وُجِد فيه التَّسْليم، وخرَّجوا على الجوابَيْن ما إذا استأجر دارًا ببلدة أخرى، فإنَّه لا يتأتى، التسليم إلاَّ بقَطْع المسافة بيْن البلدَيْن، وما إذا باع جمدًا وزنًا، وكان ينماع بعضه إلى أن يُوزَن (١).

ولو استأجر للخِدْمة، وذكر وقتها من اللَّيْل والنهار، وفصَّل أنواعها، فذاك، إنْ أطلق، فقد حُكِيَ عن النص المنع، والظاهر الجَوَازُ، ويلْزَمُ ما جرت العادةُ به، وفصَّل أنواعها القاضي أبو سعيد ابْنُ أبي يوسف فقال: يدْخُلُ في هذه الإجارةِ غُسْل الثوب، وخياطَتُه، والخُبْز، والعَجْنُ وإيقاد النارِ في التَّنُّور، وعلَف الدَّابَّة، وحلْب الحَلُوبة، وخِدْمة الزَّوْجة، والغَرْس في الدار وحمْل الماء إلى الدَّار للشُّرب، إلى المتوضئ للطَّهارة، وعن سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ أن عَلَف الدَّابَّة، وحَلْب الحلوبة، وخدْمَة الزَّوْجة لا يلزم إلا بالتنصيص عليها، وينبغي أن يكونَ الحُكْمُ كذلك في خياطةِ الثَّوْب، وحَمْل الماء إلى الدار، ويجوزُ أن يختلف الحكْمُ فيه بالعادة.

وذكر بعضُ مَنْ شرح "المفتاح" أنه ليْسَ له إخراجُه من البلدة إلاَّ أن يشترط علَيْه مسافةً معلومةً منْ كلِّ جانب، وأن عليه المُكْثَ عنده إلى أن يَفْرَغَ من صلاة العشاء الآخرة (٢). ولو استأجره للقيام على ضَيْعَةٍ قامَ علَيْها ليلاً ونهاراً علَى المعتاد.

وإنِ استأجر؛ للخُبْز، وجب أن يتبين أنَّهُ يخبر الأقْرَاضَ، أو غِلاَظَ الأرْغِفَةِ، أو رقَاقَها، وأنَّهُ يخبز في تَنُّورٍ، أو فُرُنٍ، وآلاتُ الخُبْزِ على الأجيرِ إنْ كانتِ الإجارةُ في الذِّمَّة، وإلاَّ، فعلى المستأجر، وليْسَ على الأجير إلاَّ تسليم نفْسِه، والقولُ فيمن عليه الحَطَبَ كما في الخبز في حق الورَّاق.

ولو أراد المستأجرُ أن يستبْدِلَ عنِ المنفعة شيئاً آخر، يقبضه، لم يَجُزْ، إن كانَتِ الإجارةُ في الذِّمَّة، وإن كانتْ إجارة عيْنٍ قال صَاحِبُ "التهذيب": هو كما لو أجَّر العيْن المستأجرة من المؤجّر، وفيه وجهان:


(١) قال النووي: الصحيح من الجوابين هو الأول، بل قد تقدم في الشرط الثالث من الركن الرابع من الباب الأول وجه: أنه لا تصح إجارة المشحونة بالقماش وإن أمكن تفريغها في الحال. وتقدم هناك، أن المذهب صحة إجارة الأرض المستورة بالماء للزراعة، وليس هو مخالفاً للمذكور هنا، لأن التعليل هناك بأن الماء من مصالحها مفقود هنا. والأصح عندي، فيما إذا استأجر داراً ببلد آخر، الصحة، وفي الجمد المنع، لإمكان بيعه جزافاً.
(٢) قال النووي: المختار في هذا كله، الرجوع إلى عادة الخادم في ذلك البلد وذلك الوقت، ويختلف ذلك باختلاف مراتب المستأجرين، وباختلاف الاجراء، وفي الذكورة والأنوثة من الطرفين، وغير ذلك، فيدخل ما اقتضته العادة دون غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>