للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلاً بناءً على أن اليمين لا تُرَدُّ عليها، ثم ثبوت العُنَّة لا يفيد الخيار في الحال، ولكن القاضي يضرب للزوج مدَّة سنة يمهله فيها، رُوِيَ عن عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه أجلُ العِنِّينِ سنَةٌ، وتابعه العلماءُ عليه، وقالوا: تَعَذُّر الجماعِ قد يكون لعارِض حرارةٍ، فتزول في الشتاءِ، أو برودةٍ، فتزولُ في الصيف، أو يبوسةٍ فتزولُ في الربيع، أَو رطوبةٍ، فتزول في الخريفِ، فإذا تمَّت السنة، ولم يصبها، عَلِمْنَا أنه عجزٌ خِلْقيٌّ، وابتدأءُ المدَّة من وقت ضرب القاضي لا من وقْت إقراره: لأنه مجتَهَدٌ فيه، فَإِنَّ من العلماء مَنْ قال: لا تُضْرَب المدة للعِنِّين، ولا يثبت بالعُنَّة خيارٌ، ومنهُم دَاوُدُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ويخَالِفُ مدة الإيلاء. حيث تحسب من وقْت اليمين؛ لأنها منصوصٌ عليها، وشبه ذلك بحَجْر المُفْلِس والسَّفيه يثبت من وقْت قضاء القاضي، وحجْر الصبيِّ، والمجنون، لا يتفقر إلى قضاءِ القاضي، وإنَّما تُضْرَب المدةُ، إذا طلبتِ الزوْجَةُ، أما إذا سكَتَتْ، فلا تضرب، نعم، إذا حمل القاضي سكُوتَها علَى دهْشة، أو جَهْل، فلا بأْسَ بتنبيهها وقولها: إِنِّي طالبةٌ حقي علَى موجِب الشِّرْع [كافٍ] (١) في ضرْب المدَّة، وإن جهِلَتِ الحُكْم على التفصيل، ولا فرق في المدة بين الحرِّ والعبْدِ؛ لأنها مشروعةٌ لأمر يتعلَّق بالطبع والجبلَّة، فأشبه مدَّة الحيض والرِّضاع، وعن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه تُضْرَبُ للعبد نصفُ سنةٍ.

المسألة الثانية: إذا تمَّتِ السنةُ، ولم يصبْها، لم ينفسخ النكاح، ولم يكن لها أنْ تفْسَخَه بل ترفعه ثانياً إلى القاضي، وفي "أمالي" الشيخ أبي الفرج عن الإصطخريِّ أن لها الفسْخَ بعْد مضيِّ المدة، ويكفي ضرب المدة من جهة القاضي، والمشهور الأول؛ لأن مدار الباب على الدعْوَى والإِقرار والإِنكار واليمين، فيحتاج إلَى نَظَر القاضي واجتهاده وإذا رفعته إليه، فإن ادَّعَى الإِصابة في المدَّة، حلَف، فإن نكَلَ، رُدَّت اليمين على المرأة، وفيه الخلافُ الذي سَبَق، وإذا حلَف أو أقرَّ الزوج بأنَّه لم يُصِبْها في المدَّة، فقد جاءَ وقْت الفسخ، فإن استمهل ثلاثاً، فهل يُمْهَل؟ فيه الخلاف المذكور في الإِيلاء، ثم استقلالها بالفَسْخ وجهان:

أقربهما: وذكر في "التتمة" أنه المذهَبُ: الاستقلال، كما يستقل [المشتري] (٢) بالفسخ، إذا وجد بالمبيع تغيُّراً، وأنكر البائع كَوْنَه عَيْباً، وأقام المشتَرِي علَى ذلك بيِّنةً عند القاضي.

والثَّاني: أن الفسخ إلى الحاكم؛ لأنه محلَّ النظر والاجتهاد، فيفسني بنفسه أو يأمرها بالفَسْخ، وهذان الوجْهَان في الاستقلال بعْد المرافعة والوجْهَان المذْكُوران في


(١) في ز: كان.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>