للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية: إن فرَّعنا على التخريج المذْكُور في الحدِّ، فهو كما إذا زنَى بأمة الأجنبيَّ، فإن كانت مكرهةً، وجب مهرها، وإن كانت مطاوعةً، فعلى وجهَيْن، وإن قلْنا بظاهر المذْهب نزلناه منزلةَ وطء الشبهة، وأوجبنا علَيْه المهر للابن، فإن كان موسراً أخذ منه، وإلا، فهو في ذمته إلى أن يُوسِر، وعن أبي الحُسَيْن حكايةُ وجهٍ ضعيفٍ؛ أنه إذا كان معسْراً، لم يتبع به.

المسألة الثالثةُ: كما يسقط الحدُّ، ويجب المهر للشُّبهة تثبت حرمة المصاهرة، فتحرم الجاريةُ علَى الابن أبداً، ويستمرُّ ملكه عليها، إذا لم يوجد من الأب إحبالٌ، ولا شيءٌ على الأبِ بتحريمها؛ لأن مجرَّد الحلِّ في ملْك اليمين لَيْس بمتقوَّم، وإنما المقْصِد الأعظم فيه المالية، وهي باقيةٌ، وله تزويجُها، ويحْصُل المهر، وممَّا يدل علَى أن الحلَّ فيه غير متقوَّم أنه إذا اشترَى أمة، فخرجت أختَهُ من الرضاع لا يتمكَّن من الردِّ، ولم اشترى جاريةً صغيرةً، فأرضعَتْها، أمُّ البائع، وحَرُمت عليه، ثم اطَّلَع المشتري علَى عيْبٍ قديمٍ أو اشترتْ زوْجةُ الرجُلِ جاريةً رضَيعةً منْهُ، وأرضعتْها، فحُرِّمت على الزَّوْج، ثم اطَّلعَت علَى عيبٍ قديم يجوز الردُّ، والحرمةُ الحادثةُ لا تُجْعَل كالعيوب الحادثة، وليس ما نحْنُ فيه كتفويت حليِّ النكاح بالرضاع أو بوطء الشبهة بأن وطئ زوجة أبيه أو ابنه بالشبهة، حيث يُغَرَّمُ المهْرَ؛ لأن هناك تفويتَ المِلْكِ والحلِّ جميعاً، ولأن الحلَّ هو المقصد هناك فيقوم، ولذلك يجوز أن يشتري أخته من الرضاع، ولا يجوز أن يَنْكِحَها.

المسألة الرابعة: إذا أحْبَلَها بوطئه فالولد نسيب حر، كما لو وطئَ جاريةَ الغير بالشبهة، وهل تصير الجارية أمَّ ولدٍ للأبِ؟ فيه قولان:

أصحهما: وبه قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: نعَم، للشبهة الَّتي اقتضتِ انتفاء الحدِّ ووجوب المَهْر.

والثَّاني: وبه قال المزني: لأنها ليس ملكاً له وقْتَ الإِحبال، فصار كما لو استولَدَ جاريةً بالنكاح، وحكى الحناطيُّ في موضع القولَيْن اختلافاً، ملخَّصُ المفهوم منْه ثلاثة طرق:

أحدها: تخصيص القولَيْن بما إذا كان الأَب معسِراً، والجزم بالاستيلاد عنْدَ يساره.

والثاني: تخصيصُ القولَيْن بما إذا كان مُوسراً، والجزمُ بالنفْي عند إعساره.

والثالث: وهو الأظهرُ: طَرْدُ الخلاف، ويخرَّجُ من هذه الطرق قولٌ فارقٌ بين أن يكون موسراً أو معسراً، على ما يُحْكَى عن صاحب "التقريب" كما إذا استولَدَ أحد الشريكَيْن الجارية المشتركة، فإنه ينفذ الاستيلادُ في نصيب الشريك، إن كان مُوسِراً، ولا ينفذ، إنْ كان معْسِراً، وَضعَّفَ الأئمةُ الفرْقَ من جهة أنَّ الاستيلاد هاهنا إنما يثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>