للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخفى بعْد الوقوف على الشَّرْح أنَّ قوله في الكتاب "وبالأفعال حَلِفٌ بالصيغتين" ليس المراد منْه جميعَ الأفعال؛ لما تبيَّن أن قدوم السلطات ونحوه، كطلوع الشمس ومجيْء الشهر والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَبأَكْلِ رُمَّانَةٍ يَحْنَثُ فِي التَّعْلِيقِ بِهَا وَبِنِصْفِ رُمَّانَةٍ، وَالبِشَارَةُ هِيَ الخَبَرُ (ح) الأَوَّلُ، وَالكَذِبُ خَبَرٌ كَالصِّدْقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه ثلاث صور:

إحداها: لو قال: إن أكلْتِ رمَّانةً، فأنتِ طالقٌ، وإن أكلْتِ نِصْفَ رمَّانة، فأنْتِ طالقٌ، فأكلَتْ رمانة، طُلِّقَت طلقتين، لحصول الصفتين، فإنها إذا أكلَتْها، فقَدْ أكلت رمَّانة، وأكلت نصْف رمَّانة، ولو كان التعليقان بصيغةِ "كلما" [بأن يقول كلما أكَلْتِ رمَّانةً] طُلِّقَت ثلاثاً؛ لأنها أكلت رمانةً، وأكلت نصْف رمانة مرتين.

وقوله في الكتاب: "وبِأَكلِ رمَّانةِ يَحْنَث في التَّعليقِ بهَا، وبِنِصْفِ رمَّانَةٍ" أي بأكلها وبأكل نصف رمانة.

الثانية: تحْته امرأتان وأكثر، فقَال: من بشرتني منكما أو منكن بكذا، فهي طالقٌ، فبشَّرتْه واحدةٌ بعْد واحدةٍ، طُلِّقَت الأولى دون الثانية؛ لأن اسم البِشَارة يقَع على الخَبَر (١) الأوَّل، ولو أنَّه شاهد الحال قبْل أن يخبر، فأتت البشارة، ولو بشَّره أجنبيٌّ، ثم ذكَرَتْ له واحدةٌ منهما لم تُطلَّق، وفي "الإِبانة" للفوراني وجْه آخر؛ أن البشارة لا تختص بالخَبَر الأوَّل، وأن الحُكْم فيه كما سنَذْكُر فيما إذا قَال: منْ أخْبَرَنِي منْكما بكذا، ولو بَشَّرتْه امرأتان معاً، فالمنقول أمنهما تُطلَّقان، وقد يفهم من قوله: "مَنْ بشَّرني منْكما" استقلال الواحدة بالبشارة، وكذلك يَصْدُق أن يقال: ما بشَّرَتْه حفصة ولا عمرة، وإنما بشَّرته زينب، ولو قال: مَنْ أكَل منكما هذا الرغيف، فأكَلَتَاه، لَمْ يُطلَّقا (٢)،


= ذكر صاحب التلخيص ما نصه قال الشيخ -يعني القفال- هذا غلط لا يخرج على أصل الشَّافعي. والجواب فيها على أصل الشَّافعي أنَّه إذا مات ولم يحلف بطلاقها، طلقت قبيل الموت طلقة.
(١) قال في الخادم: قضية إطلاقه أنَّه لا يشترط في البشارة كونها سارة، وفيها خلاف لأهل اللغة، ورجح بعضهم التعميم فقال: البشارة تكون بالخير والشر وإذا طلقت كانت في الخير والشر لقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
(٢) قال النووي: الصواب، أنهما تطلقان، وليس كمسألة الرغيف؛ لأنه لم تأكله واحدة منهما، وأما البشارة، فلفظ من ألفاظ العموم، لا ينحصر في واحدة، فإذا بشرتاه معاً، صدق اسم البشارة من كل واحدة، فطلقتا والله أعلم.
قال في الخادم: ما ذكره يعني الرافعي تفقهاً من عدم طلاقهما قد جزم به الماوردي والروياني في كتاب الأيمان ثم نقل عن البحر هنا الجزم بالمنقول وتردد صاحب الخادم إنما بحثه الرافعي وجه محكي في المهذب.

<<  <  ج: ص:  >  >>