للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُشْترط في البشارة الصِّدْق، ولا يسمى الخبر الكاذب بشارةً، فلو قالَتْ واحدة: كان كذا، وهي كاذبةٌ [ثم] (١) ذكرته الثانية، وهي صادقة، تُطَلَّق الثانية دون الأولى، والبشارة تحْصُل بالكتابة، كما تحْصُل بالقَوْل، ولو أرْسَلَتْ رسولاً، لم تُطلَّق؛ لأن المبشر هو الرسول قاله فيه "التهذيب".

الثالثة: لو قال: من أخبرني منْكما بكذا، فهي طالقٌ، فلفظ الخبر يقَع على الصِّدْق والكذب معاً، ولا يختص بالخبر الأوَّل، فإذا أخبرناه صادِقَتَيْن أو كاذبَتَيْن على الجميع أو على الترتيب، طُلِّقَتَا جميعاً، ولا فَرْق بين أن يقول: من أخبرني منْكما بقدوم زيدٍ وبين أن يقُولَ: من أخبرني منْكما أن زيْداً قدم أو بأن زيداً قدم، وفيما إذا قال مَنْ أخبرني بقدوم زيْد وجْهٌ آخر؛ أنَّه لا يقع الطلاق، إذا أخْبَرْته كاذبةً، وهو الذي أورده الفورانيُّ، ووجَّهه في "التتمة" بأن الباء للإلصاق، وذلك يقتضي حُصُول القدوم، وصيرورته شرطاً في الإِخبار، كما لَوْ قال: مَنْ أخبرني عَنْ كذا بالعربية، يُشْتَرط العربية في الخبر، وهَذَا يقتضي أن يكون قوله: "من أخبرني بأن زيداً قدم" كقوله "بقدوم زيد" لوجود حَرْف الإِلصاق، لكنَّ الفوراني فَرَّقَ بيْن أن يقول "بقدوم زيد" لوجود حرْف الإِلصاق وبيْن أن يقول: "بأن زيداً قدم" مع وجود حرف الباء فيهما، قال صاحب الكتاب في "البسيط": كأنَّه يتخيَّل أن قوله: "من أخبرني بأن زيْداً قدم" معناه من قال: إنَّه قدم، والظاهر الأول والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: فَإذَا قَالَ: يَا عَمْرَةُ فَأَجَابَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: حَسِبْتُ عَمْرَةَ طُلِّقَتْ حَفْصَةُ ظَاهِراً وَفِي عَمْرَةَ تَرَدُّدٌ إِذْ لَمْ يَجْرِ مَعَها إلاَّ مُجَرَّدُ النِّدَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا أَيْضاً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: تحْته امرأتان عَمْرة وحَفْصة، فقال: يا عمرة، فأجابته حفْصة، فقال: أنتِ طالقٌ، فَيُرَاجَع ويُسْأل عن قَصْده، فإن قال: حَسِبْت أن المجيبة عمْرة، وعندي [أنها] (٢) التي أوَجِّهُها بالطلاق، لم تطلَّقْ عمرة؛ لأنه ناداها, ولم يخاطبْها بالطلاق وإنَّما ظَنَّ أنَّهُ يخاطِبها بالطَّلاق، وظَنَّ الخطاب بالطلاق لا يوجب وقوع الطلاق؛ ألا تَرَى أنَّه لو قال لواحدة من نسائه: أنت طالقٌ، وهو يظُنَّ أن المخاطبة غيرها، يقع الطلاق على المخاطبة دون المظنونة، ولو قال للأجنبية: أنت طالقٌ، وهو يظُنَّ أنها زوجته، لا يقع الطلاق على زوجته، وأمَّا حفْصة المواجهة بالطَّلاق، ففيها وجهان:

أصحهما: أنْها تُطلَّق؛ لأنه خاطبها بالطلاق وهي زوجته.

والثاني: لا تُطلَّق، لأنَّه لم يَقْصِدْها، وإن واجهها في بعض الطرق ما يشير إلى أن


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>