للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحاء؛ لأن الحكاية عن أبي حنيفة أنَّه يُعْتَبَر رؤية المعلق برؤيته خاصَّة.

السَّادِسَة: قال: إن كَلَّمْتِ فلانًا، فأنْتِ طالقٌ، فكلمته، وهو سكران أو (١) مجنونٌ، يقع الطلاق، والشَّرط؛ على ما بيناه وفي "الشامل" يشترط أن يكون السكران؛ بحيث يَسْمَع ويكلم، وإلا فهُو كالنائم، ولو كلَّمتْه، وهو نائم، أو مغمى عليه، لم يقَع الطَّلاق، وكذا لو هذت في نومها، أو إغمائها, ولو كلَّمَتْه، وَهي مجنونة، أطْلَق ابن الصَّبَّاغ القول أنه لا يقَع الطَّلاق، وعن القاضي الحُسَيْن: أنَّه يقع، والظاهر تخريجه على الخلاف في حنث الناسي، والمكره، فإن قصد الجنون أضعف من قصد المكره، وسكرها حتى تكلمه لا يؤثر على الأصح إلاَّ إذا انتهت إلى السُّكْر الطافح، ولو خفَضَتْ صوتها بحيث لا يُسْمَع، وهو الهمس بالكلام، لم يقع الطلاق، وإن وقَع في سمْعِه شيْء اتفاقاً، وفهم (٢) المقصود لأنه لا يقال: إنها كلَّمَتْه، وكذا الحكم لو كلَّمَتْه من مسافة بعيدة لا يُسْمَع الصوت منها, ولو اختطف الريح كلامها، وحمَلَه، وأوقعه في السَّمْع، فقد أشار الإِمام إلى تردُّد فيه، ولا ظاهر أنَّه لا يقع الطلاق، وإن كانت المسافة بحيْث يسمع منها الصوت، وقع الطلاق، إن لم يَسْمَع المكلم؛ لذهول أو شغل، فإن لم يسمع لعارض أو لغط أو ريح أو لما به من الصَّمم، فوجهان:

أحدهما: وهو الَّذي أورده الإِمام، وصاحب الكتاب في اللغط، وبه أجاب القاضي الروياني أنه يقع الطلاق؛ لأنها كلَّمَتْه وعَدَم السماع إنما كان لعارض، فأشبه ما إذا كان للذُّهُول.

وأصحهما: عند صاحب "التهذيب" أنَّه لا يقع الطلاق حتَّى يرتفع الصوت بقَدْر ما يسمع في مثل تلْك المسافة مع ذلك العَارِض، فحينئذٍ يَقَع، وإن لم يسمع وذلك؛ لأن الاعتبار بما يَكُون تكليمًا مع مَثْله، ولهذا يختلف حُكْم القريب والبعيد، ورأى الإِمام القَطْع بالوُقُوع إذا كان اللغط بحَيْث لو فُرضَ معه الإِصْغَاء، لأَمْكن السماع، وكذا في تَكلُّم الأصم إذا كان وجهه إليه، وعَلِمَ أنَّه يكلمه (٣)، وقطع الحنَاطي بعَدَم الوقوع إذا كان الصَّمَم بحيث يَمْنَع السماع أصلاً، ويحكى قولين فيما إذا قال: إن كلَّمْتِ نائماً أو غائبًا عن البلد، هل يقع الطلاق في الحال بناء على الخلاف في التعليق بالمستحيلات، يحتمل أن يقال: لا يقع الطلاق حتى تخاطبه مخاطبة المكلّمين وبنحو منه، أجاب القاضي أبو الطيِّب فيما إذا قال: إن كلَّمْتِ ميتاً أو جمادًا، فأنتِ طالقٌ والله أعلم.


(١) في ز: و.
(٢) في ز: مفهوم.
(٣) ما صححه البغوي صححه النووي في تصحيح التنبيه، لكن صحح المصنف في الشرح الصغير خلافه وصححه جماعة من الأئمة ونقله في التتمة عن النص فظهر أن ما جرى عليه الشيخ في باب الجمعة أنه المذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>