للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَكُلُّ فِعْلٍ عُلِّقَ بِهِ فَإِذَا حَصَلَ مِنَ المُكْرَهِ أَوِ النَّاسِي فَفِيهِ قَوْلاَنِ، فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَهَا عَنِ المُخَالَفَةِ فَنَسِيَتْ لَمْ تُطَلَّقْ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا علَّق الطلاق بفِعْل إنسان، فوجد ذلك الفعْل منْه، وهو مُكْرَةٌ أو ناسٍ للتعليق أو جاهِلٌ به، فعن القفَّال أنه لا أثَر لوُقُوع الفعْل في هذه الأحوال، ولا يخْرج وقُوع الطَّلاق على الخلاف في حصول الحنث إذا حلَف أن لا يدخل الدار، فدَخَل مكرهًا أو ناسيًا، وفَرقَ بأن التعويل في اليمين على تعْظيم اسم الله (١) تعالى، والحنث في هتْك حُرْمَته، وهذه الأحوال تَمْنَع حصول الهتْك، والتعويل في تعليق الطلاق على حُصُول الصفات المعلَّق عليها، وهي حاصلةٌ، وإن فُرِضَتْ هذه الأحوال فظاهرُ المَذْهب أنَّ لذلك الخلافِ مجالاً هاهنا أيضاً، فقد يقصَد بتعليق الطَّلاق الحنث، والمَنْع كما في اليمين، وعلى هذا؛ فيُنْظَرُ؛ إن علَّق الطلاق بفِعْل نفْسِه ففعله مكرهاً أو ناسيًا، ففي وقوع الطلاق قولان؛ وجه الوقوع: وجودُ الفعْل المعلَّق به، ووجه المنْع: أن الإِكراه والنسيان مرفوعان عن الأمة، فكأنه لم يوجَدِ الفعل؛ ولهذا قلنا: إنَّه لا يقع طلاق المكْرَه، وقد ذكَر صاحب "المهذب" والقاضي الرُّويانيُّ وغيرهما: أن الأظهر في الأيمان أنَّه لا يَحْصُل الحنث بفعل الناسي والمكره، ويشبه أن يكون الحال (٢) في الطَّلاق (٣) مثْله، وإن علَّق الطلاق بفعْل المرأة أو بفعْل أجنبي، فإنْ لم يكن المتعلَّق بفعله شعورٌ بالتعليق، ولم يقْصِد الزوج إعلامه أو كان المعلَّق بفعله ممَّن لا يبالي بتعليقه، كما لو علَّق بقدوم الحجج أو السلطان، وقَع الطلاق، إذا وُجِدَ ذلك لفعل، وإن كان مع الإكراه والنِّسْيان، لأنَّه ليس في التعليق، والحالَةُ هذه، غرَضُ حَثٍّ ومنع، وإنما الطَّلاق مَعلَّق بصورة ذلك الفِعْل، ومنْهم من أَجْرَى القولَيْن في صورة الإِكراه؛ لأن الإِكراه يُضْعِف الاختيار، وكأن الموجود فعْل المكره، وإن كان المعلَّق بفعله شاعراً بالتَعليق وكان (٤) مِمَّن لا يبالي بتعليقه، فيَجْري في صورتي النسيان والإِكراه الخلافُ، ولْيُعْتَبَر معَ ذلك قَصْده الحث والمَنْع، وكذلك فَعَل ابن الصبَّاغ والإِمام؛ فإنَّه قد يَقْصِد التعليق بصورة الفِعْل، وإن كان الشخص ممَّن يبالي بتعليقه، ويلائمه ما ذَكَر صاحب الكتاب هاهنا، وفي "الوسيط" أنه لو قَصَد منْعَها من المخالفة، فنَسِيَتْ لم تُطلَّق؛ لأنَّه لم تتحقَّق مخالفة لكنَّه نفى في "الوسيط" الخلاف، وُيشبه أن يُرَاعَى معْنى


(١) سقط في ز.
(٢) في أ: الخلاف.
(٣) قال النووي: قد رجح الرافعي في كتابه "المحرر" أيضاً، عدم الحنث في الطلاق واليمين جميعاً، وهو المختار للحديث الحسن "رفع عن أُمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه"، والمختار، أنه عام فيعمل بعمومه، إلا فيما دل دليل على تخصيصه، كغرامة المتلفات.
(٤) في ز وإن كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>