للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائشة -رضي الله عنها (١) - قالت: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في الْقُرْآنِ (عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَات يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ)، فتوُفيَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وهيَ مِمَّا يُقرأُ في القُرآنِ وحمل ذلك على قراءة حُكْمِها، ورُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: .............


(١) من شرُوط الرضيع
أن يصل اللبن إلى جوف الطفل من معدة أو دماغ خمس رضعات متفرقات يقينا، فإن ارتضع أقل من الخمس لم يثبت التحريم. نعم، لو حكم حاكم لم ينقص قوله للخلاف، وكذا لا يثبت التحريم لو شك في كونه رضع خمساً أو أقل؛ لأن اليقين -وهو عدم التحريم- لا يرتفع بالشك خلافاً للإمام مالك -رضي الله عنه- حيث قال: يثبت بالشك احتياطاً.
وكون التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات، هو مذهب إمامنا الشَّافعي -رضي الله تعالى عنه- وبه قال من الصحابة سيدنا عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن مسعود، وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم-، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، ومن الفقهاء أحمد، وإسحاق، وحكاه ابن القيم عن الليث بن سعد، -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.
وذهب أبو حنيفة -رضي الله عنه- إلى أن التحريم يثبت برضعة واحدة، وبه قال من الصحابة سيدنا علي -كرم الله وجهه- وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر .. ومن الفقهاء سيدنا مالك، والأوزاعي، والثوري -رضي الله تعالى عنهم-.
وذهب داود الظاهري: إلى أنه يثبت التحريم بثلاث رضعات وبه قال من الصحابة سيدنا زيد بن ثابت، ومن الفقهاء أبو ثور -رضي الله عنهم-.
احتج إِمَامُنا الشَّافِعِيُّ، ومن وافقه بما رواه الإِمام مسلم -رضي الله تعالى عنه- قال: "حدَّثنا يَحْيَى ابنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مالِكٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضِعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يحرمن، ثمَّ نُسِخَ بِخَمْسٍ مَعْلُوماتٍ فَتُوفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ" وقد روى هذا الحديث أبو داود، والنَّسَّائي، والترمذي، وابن ماجة، وذكره الشَّافعي في مسنده فقال:
"أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَة -رَضِي الله عَنْهَا- أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِعَشْرِ رَضعاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ صُيِّرْنَ إِلَى خَمْسٍ يُحَرِّمْنَ، فَكَانَ لاَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ إِلاَّ مَنِ اسْتَكمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ".
فهذه الرواية صريحة في إناطة التحريم بخمس رضعات، وأنها ناسخة لغيره، وأن الأمر قد استقر على ذلك، فلو لم تكن هي مناط الحكم؛ لما كانت ناسخة لغيرها؛ لكن التالي، وهو عدم كونها ناسخة لغيرها باطل، فَبَطَلَ ما أَدى إليه، وهو عدم كونها مناط الحكم، فثبت نقيضه، وهو أنها مناطة، وهو المطلوب الملازمة ظاهرة: إذ لو نيط الحكم بغيرها لكان هو الناسخ للعشر دونها.
أما بطلان التالي الذي هو عدم كونها ناسخة، فلمخالفته لصريح النص وهو "ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ" ويؤيد هذا المذهب، أنه لا يخالف ما دل على ربطه بغير الخمس من القليل والكثير، بل يكون تقييداً له لا ناسخاً، بخلاف القول بالتحريم بالقليل والكثير، فإنه يخالف ما دل على نفي التحريم بالرضعة والرضعيتن، وبخلاف القول بالتحريم بالثلاث، فإنه يخالف ما دل على الإناطة بالخمس، دون ما كان أقل منها.
الوجه الأول: تمنع كون ما نقل عن أم المؤمنين قرآناً لعدم تواتره، وعدم إثباته في المصاحف، =

<<  <  ج: ص:  >  >>