للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأجيب بأن عدم كونه قرءاناً لانتقاء التواتر لا يمنع من وجوب العمل فإنه يكفي فيه الظن، وقد احتج الأئمة بخبر الواحد في مواضع كثيرة: فاحتج الإِمام الشَّافعي، وأحمد -رضي الله تعالى عنهما- به في هذا الموضع، واحتج أبو حنيفة به في وجوب التتابع في صيام كفارة اليمين ولا سند له إلا قراءة ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- {فَصِيَامُ ثَلاَثةِ أيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، واحتج به سيدنا مالك، والصحابة قبله -رضوان الله تعالى عليهم- في فرض السدس للواحد من ولد الأم "وله أخ أو أخت من أم" في قراءة أُبَيٍّ، وقد أجمع على هذا, وليس له سند سوى هذه القراءة. وبالجملة فعدم القرآنية لعدم التواتر لا ينافي وجوب العمل لأنَّ القرآنية لا يلزمها إلا انعقاد الصلاة به، وتحريم مسِّه على المحدث، وقراءته على الجنب، والتعبد بتلاوته والتحدي به، وليس من لوازمها الخاصة بها عدم وجوب العمل لأن وجوب العمل قد يثبت بالآحاد الذي ليس بقرآن وقول المعترض سنداً لمنعه "لعدم إثباته في المصحف" ممنوع لأنه لا يثبت في المصاحف إلا ما بقيت تلاوته سواء نسخ حكمه أم بقي، بخلاف ما نسخت تلاوته، فلا يثبت فيها سواء نسخ حكمه أيضاً أو بقي فالمدار في الإثبات في المصاحف على بقاء التلاوة فقط.
وظهر من هذا أن القرآن له جهة تلاوة وجهة حكم، وكل منهما إما منسوخ أو باق، فالأقسام أربعة: باقي التلاوة والحكم كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} وهو كثير: ومنسوخ التلاوة والحكم كقول سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- "عشر رضعات معلومات يحرمن". ومنسوخ التلاوة دون الحكم كما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "كان فيما أنزل الله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله" وكان يقول: لولا أن يقول الناس زاد عمر في القرآن لكتبتها في حاشية المصحف، وهذا النوع -أي منسوخ التلاوة دون الحكم- يحفظه الله في صدور الأمة ويتوارثونه جيلاً بعد جيل: ومنسوخ الحكم دون التلاوة كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ ...} الآية فإنها: نسخت بآية {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} , وكآية الوصية نسخت بآية المواريث.
الوجه الثاني: من أوجه الاعتراض:
قالت الحنفية: الحكم إنما يُعلم من داله وهو اللفظ فإذا نسخ اللفظ فمن أين يعلم. وأجيب بأن نسخ التلاوة لا يستلزم إلا نفي لوازمها، كصحة الصلاة بها، وإثباتها في المصاحف، ولا يستلزم نفي الحكم لجواز حفظه في صدور الأمة.
الوجه الثالث: قالت الحنفية كيف ساغ الاستدلال بهذا مع أنه لم ينقل نقل الأخبار بل نقل نقل القرآن ولم يثبت به لعدم تواتره. وأجيب بمنع أنه ليس بقرآن باننا نلتزم أنه قرآن، ولا يشترط التواتر إلا فيما بقيت تلاوته بخلاف ما نسخت تلاوته كما هنا، سلمنا أنه ليس بقرآن، ولكن انتقاء قرآنيته لا يستلزم نفي حجيته لأنه يكفي فيها الظن كما تقدم.
وأجاب الشوكاني بالتزام أنه سنة لكونه مروي صحابي، وهو يستلزم التوقيف عنه -صلى الله عليه وسلم- وذلك كاف في الحجية.
الوجه الرابع: قال النافي للعدد: تسليم هذا الاستدلال يؤدي إلى إثبات النسخ بعد زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقول سيدتنا عائشة -رضي الله عنها-: "فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي فيما يقرأ من القرآن. =

<<  <  ج: ص:  >  >>