للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= امرأة سوداء فقالت: قد أرضعتكما. قال: فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني، قال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، فقال: "وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَد أَرْضَعَتْكُمَا" فنهاه عنها، رواه أحمد، والبخاري، وفي رواية "دَعْهَا عَنْكَ"، فلو لم يكن مطلق الرضاع محرماً لسأله عن العدد، ولكنه قد أمره بتركها بادئ الأمر. وأما القياس: فأفراده كثيرة، فمنها؛ قياسه على الوطء بشبهة وعقد النكاح بجامع أن كلاً يفيد التحريم المؤبد، فسيعطى حكمه من عدم اعتبار العدد؛ ومنها القياس على الإفطار في رمضان بجامع الوصول إلى الجوف، فيعطي حكمه؛ ومنها القياس على حد الخمر بجامع أن كلاً متعلق بالشرب، فلا يناط بالعدد.
أما عن الآية فمطلقها مقيد بالأحاديث الدالة على اعتبار الخمس، ولا مانع من تقييد السنة للكتاب، وتقييد المطلق بيان لا نسخ ولا تخصيص قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وبهذا تعلم الجواب عن قول ابن عمر لابن الزبير؛ لأن ابن الزبير لم يقصد برأيه، بل بالتوقيف. قال المُزْنِيُّ: قلت للشافعي: اسمع ابن الزبير من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعَ، وَلَهُ تِسْعُ سِنِينَ، ومن له تسع سنين يصح نقله وروايته؛ لأنه يضبط ما يسمعه.
وأمَّا عن الأحاديث: فعن الأول منها أن الأخبار التي وردت في شأن الرضاع على نوعين:
الأول: ما كان المقصود منها الحكم وهو التحريم.
الثاني: بيان العدد المحرم، ولكلٍ مقام، وهذا الحديث من النوع الأول على أن إطلاقه مقيد بما ذكر.
وعن الثاني: أن الرضعة الواحدة لا تسد الجوعة، خصوصاً إذا لم يصل إلى جوفه غير قطرة.
وعن الثالث: حمل مطلقة على المقيد دفعاً لإهمال أحد الدليلين، ولم يقم ما يدل على النسخ على أنه يحتمل أن يكون ترك الاستفصال اعتماداً على بيانه من قبل ولا حجة مع الاحتمال.
وأما عن القياس:
فالجواب: عن الأول منها: أنه قياس مع الفارق؛ لأن الأصل لم يعر عن جنس الاستباحة بخلاف النوع.
وعن الثاني: أن العلة، والحكمة التي كان لأجلها التحريم في الرضاع لم تتحقق في الإفطار، وهي التغذية فهو قياس مع الفارق أيضاً.
وعن الثالث بالمنع من الإلحاق؛ لأن الشارع حرم المسكر بدون تقييد بعدد قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ولا كذلك الرضاع، فإنه نص على العدو المحرِّم، ولا قياس مع النص.
استدل داود ومن وافقه بقوله -صلى الله عليه وسلم- "لاَ تُحَرّمُ المصَّةُ وَلاَ المصَّتَانِ، وَلاَ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ" ونحوه من كل ما دل على نفي التحريم يالرضعة وبالاثنتين، فدلت هذه الأحاديث بمفهومها على تحريم الثلاث، وقالوا أيضاً إن ما يعتبر فيه العدد، والتكرار يعتبر فيه من الثلاث، وأيضاً إن هذا العدد، هو أول مراتب الجمع.
الجواب: أما عن الأول فإن مفهوم هذه الأحاديث مقيد بالأحاديث الصريحة الدالة على اعتبار الخمس، وقد جرى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تُحْرَمُ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ وَلاَ المَصَّةُ وَلاَ المَصَّتَانِ" مجرى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما الرِّبَا فِي النَّسِيْئَةِ" فإن مفهومه هو جواز الرِّبا في المنجز، إذا كان مقايضة؛ وليس كذلك للنصوص الأخرى الدالة على جريان الرِّبا فيه؛ أو يجاب بأن هذه =

<<  <  ج: ص:  >  >>