للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أظهرهما -وبه قال القاضي أبو الطَّيِّبَ-: لا تجب الجمعة في الصورة الأولى، وتجب في الثَّانِيَة اعتباراً للسماع بتقدير الاستواء وإعراضاً عما يعرض بسبب الانخفاض والارتفاع كما يعتبر ركود الرياح، ولا ينظر إلى السَّمَاع العارض لشدتها.

والثاني -وبه قال الشيخ أبو حامد-: أن الحكم على العكس نظراً إلى نفس السَّماع وعدمه، وإن لم يبلغ النداء أهل القرية فلا جمعة عليهم؛ لظاهر الخبر الذي سبق، وأهل الخيام إذا لزموا موضعاً (١) ولم يبرحوا عنه، وقلنا: إنهم لا يقيمون الجمعة في ذلك الموضع، فهم كأهل القرى إذا لم يبلغوا أربعين من أهل الكمال، إن سمعوا النِّدَاء لزمتهم الجمعة، وإلا فلا.

وقوله: "إلا إذا بلغوا" معلَّم بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة لا استثناء أصْلاً، ولا تلزم الجمعة أهل القرى بحال، سواء بلغهم النداء أو لم يبلغهم، بلغوا عدد الكمال أم لا، وإنما تلزم الجمعة أهل الأمصار الجامعة، والمصر الجامع عنده أن يكون فيه سلطان قَاهِر، وطبيب حَاذِقٌ، ونهرٌ جارٍ وسوقٌ قائمة.

وقوله: "أو بلغهم النداء" يجوز أن يعلم بالميم والألف، لأن مالكاً وأحمد لا يكتفيان بمجرد بلوغ النِّداء، ويعتبران كونه على ثلاثة أميال فما دونها.

وعن أحمد رواية أخرج أن المسافة لا تتقدر كما هو مذهب الشافعي -رضي الله عنه- وقوله: (من البلد) ليس لتخصيص الحكم بالبلد، بل لو بلغهم من قرية تقام فيها الجمعة كان كذلك.

قال الغزالي: وَالعُذْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ مُرَخِّصٌ إلاَّ السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إِنْشَاؤُهُ، وَفِي جَوَازِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الفَجْرِ قَوْلاَنِ: أَقْيَسُهُمَا الجَوَازُ، ثُمَّ المَنْعُ في سَفَرٍ مُبَاحٍ، أَمَّا الوَاجِبُ وَالطَّاعَةُ فَلاَ مَنْعَ مِنْهُمَا.

قال الرافعي: الرابع: العذر المبيح لترك الجمعة يبيحه، وإن طرأ [العذر] (٢) بعد الزَّوال لكن السفر يحرم إنشاؤه بعد الزوال، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: يجوز إلا أن يضيق الوقت بناءً على أن الصلاة تجب بآخر الوقت.

لنا أن الجمعة قد وجبت عليه، فلا يجوز الاشتغال بما يؤدي إلى تركها كالتجارة واللَّهْو، وهذا مبني على أن الوجوب بأول الوقت، وقد سبق في موضعه.

فإن قيل: الوجوب وإن ثبت في أول الوقت، لكن مُوَسَّعٌ فلم يمتنع السفر قبل التضيق.


(١) في "ط": موضعها.
(٢) سقط في "ط".

<<  <  ج: ص:  >  >>