للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلومٌ من قوله في أول الباب: "ذكر حر صحيح مقيم" فإنه يبين لزومها على المقيم عند اجتماع سائر الشرائط وهذا مقيم.

قال الغزالي: وَأَهْلُ القُرَى لاَ تَلْزَمُهُمُ الجُمُعَةُ إلاَّ إِذَا بَلَغُوا أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الكَمَالِ أو بَلَغَهُمْ نِدَاءُ البَلَدِ مِنْ رَجُلٍ رَفِيعِ الصَّوْتِ وَاقِفٍ عَلَى طَرَفِ البَلَدِ في وَقتْ هُدُوِّ الأَصْوَاتِ وَرُكُودِ الرِّيَاحِ.

قال الرافعي: الثالث: القرية: إما أن يكون فيها أربعون من أهل الكمال أو لا يكون، فإن كان فيها أربعون من أهل الكمال لزمتهم الجمعة كأهل البلاد إذا أقاموا الجمعة في موضعهم فذاك، وإن دخلوا المصر وصلُّوها سقط الفرض عنهم ولو كانوا مسيئين؛ لتعطيلهم الجمعة في إحدى البقعتين، وحكى في "البيان" وجهاً، أنهم غير مسيئين؛ لأن أبا حنيفة -رحمة الله عليه- لا يجوز إقامة الجمعة في القرى، ففيما فعلوه خروج عن الخلاف، وإن لم يكن فيها أربعون من أهل الكمال، فإما أن يبلغهم النِّدَاء من حيث تقام الجمعة فيه من بلد أو قرية، وإما أن لا يبلغهم، فإن بلغهم فعليهم الجمعة؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ" (١) والمعتبر نداء مؤذن على الصَّوْت يقف على طرف البلد من الجانب الذي يلي تلك القرية ويؤذن على عادته، والأصوات هادئة والرياح ساكنة (٢)، فإذا سمع صوته بالقرية من أصغى إليه ولم يكن أصم ولا جاوز حدة سمعه العادة، وجبت الجمعة على أهلها، وإنما كان الاعتبار من الطَّرَف الذي يلي تلك القريةِ، لأن البلدة قد تكون كبيرةً لا يبلغ النداء من وسطها إلى أْطرافها، فاعتبر آخر موضع يصلح لإقامة الجمعة فيه احتياطًا للعبادة، وفيه وجه آخر أنه يعتبر من وسط البلد، ووجه آخر أنه يعتبر من الموضع الذي تقام فيه الجمعة فليكن قوله: "على طرف البلد" معلماً بالواو؛ لهذين الوجهين، وهل يعتبر أن يكون المنادي على موضعِ عال كمنارة وسور؟

قال الأكثرون: لا يعتبر ذلك؛ لأن حد الارتفاع لا ينضبط، وعن القاضي أبي الطيب أنه قال: سمعت شيوخنا يقولون: لا يعتبر إلا بطبرستان، فإنها بين رياض وأشجار تمنع من بلوغ الصوت، فينبغي أن يعلو عليها، ولو كانت القرية على قلة جبل سمع أهلها النِّداء لعلوها، ولو كان على استواء الأرض لما سمعوا، أو كانت في وهدة من الأرض لم يسمع أهلها النداء لانخفاضها، ولو كانت على استواء الأرض لسمعوا ففيه وجهان:


(١) أخرجه أبو داود (١٠٥٦) من رواية عمرو بن العاص بإسناد ضعيف، ثم قال: وقفه هو الصحيح، قال ابن القطان: فيه مجاهيل.
(٢) في أ (راكدة).

<<  <  ج: ص:  >  >>