وَتَرَاجَعَ النَّاسُ مِنْ طَلَبِ الْمُنْهَزِمِينَ، وَقَدْ قُتِلَ مُؤَذِّنُهُمْ، فَتَشَاجَّ الْمُسْلِمُونَ فِي الْأَذَانِ حَتَّى كَادُوا يَقْتَتِلُونَ، وَأَقْرَعَ سَعْدٌ بَيْنَهُمْ فَخَرَجَ سَهْمُ رَجُلٍ، فَأَذَّنَ.
وَفُضِّلَ أَهْلُ الْبَلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ عِنْدَ الْعَطَاءِ بِخَمْسِمِائَةٍ خَمْسِمِائَةٍ، وَهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، مِنْهُمْ: زُهْرَةُ وَعِصْمَةُ الضَّبِّيُّ وَالْكَلَجُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْأَيَّامِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُمْ فُرِضَ لَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فُضِّلُوا عَلَى أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: لَوْ أَلْحَقْتَ بِهِمْ أَهْلَ الْقَادِسِيَّةِ. فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأُلْحِقَ بِهِمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُمْ. وَقِيلَ لَهُ: لَوْ فَضَّلْتَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ عَلَى مَنْ قَاتَلَهُمْ بِفِنَائِهِ. قَالَ: كَيْفَ أُفَضِّلُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ شَجَنُ الْعَدُوِّ! فَهَلَّا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ بِالْأَنْصَارِ هَذَا!
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَوَقَّعُ وَقْعَةَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ فَارِسَ بِالْقَادِسِيَّةِ، فِيمَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إِلَى عَدَنَ أَبْيَنَ، وَفِيمَا بَيْنَ الْأُبُلَّةِ وَأَيْلَةَ، يَرَوْنَ أَنَّ ثَبَاتَ مُلْكِهِمْ وَزَاوَلَهُ بِهَا ; وَكَانَتْ فِي كُلِّ بَلَدٍ مُصِيخَةٌ إِلَيْهَا، تَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهَا. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْقَادِسِيَّةِ سَارَتْ بِهَا الْجِنُّ، فَأَتَتْ بِهَا أُنَاسًا مِنَ الْإِنْسِ، فَسَبَقَتْ أَخْبَارُ الْإِنْسِ [إِلَيْهِمْ] .
وَكَتَبَ سَعْدٌ إِلَى عَمْرٍو بِالْفَتْحِ، وَبِعِدَّةِ مَنْ قُتِلُوا، وَبِعِدَّةِ مَنْ أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - وَسَمَّى مَنْ يَعْرِفُ - مَعَ سَعْدِ بْنِ عُمَيْلَةَ الْفَزَارِيِّ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْأَلُ الرُّكْبَانَ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ عَنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ وَمَنْزِلِهِ، قَالَ: فَلَمَّا لَقِيَ الْبَشِيرَ سَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ حَدِّثْنِي. قَالَ: هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ. وَعُمَرُ يَخِبُّ مَعَهُ يَسْأَلُهُ، وَالْآخَرُ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ، لَا يَعْرِفُهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَإِذَا النَّاسُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ الْبَشِيرُ: هَلَّا أَخْبَرْتَنِي - رَحِمَكَ اللَّهُ - أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ! فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا أَخِي.
وَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ بِالْقَادِسِيَّةِ فِي انْتِظَارِ قُدُومِ الْبَشِيرِ، وَأَمَرَ عُمَرُ النَّاسَ أَنْ يَقُومُوا عَلَى أَقْبَاضِهِمْ، وَيُصْلِحُوا أَحْوَالَهُمْ، وَيُتَابِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الشَّامِ مِمَّنْ شَهِدَ الْيَرْمُوكَ وَدِمَشْقَ مُمِدِّينَ لَهُمْ، وَجَاءَ أَوَّلُهُمْ يَوْمَ أَغْوَاثٍ، وَآخِرُهُمْ بَعْدَ الْغَدِ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَكَتَبُوا فِيهِمْ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُونَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute