وَمَضَى نَحْوَ شَيْزَرَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ يَسْأَلُونَ الصُّلْحَ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلَ حَمَاةَ، وَسَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى مَعَرَّةِ حِمْصَ، وَهِيَ مَعَرَّةُ النُّعْمَانِ، نُسِبَتْ بَعْدُ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَأَذْعَنُوا لَهُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلَ حِمْصَ.
ثُمَّ أَتَى اللَّاذِقِيَّةَ فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا، وَكَانَ لَهَا بَابٌ عَظِيمٌ يَفْتَحُهُ جَمْعٌ مِنَ النَّاسِ، فَعَسْكَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرَ فَحُفِرَ حَفَائِرُ عَظِيمَةٌ، تَسْتُرُ الْحُفْرَةُ مِنْهَا الْفَارِسَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ عَائِدُونَ عَنْهَا وَرَحَلُوا، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ عَادُوا وَاسْتَتَرُوا فِي تِلْكَ الْحَفَائِرِ، وَأَصْبَحَ أَهْلُ اللَّاذِقِيَّةِ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدِ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ، فَأَخْرَجُوا سَرْحَهُمْ وَانْتَشَرُوا بِظَاهِرِ الْبَلَدِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَالْمُسْلِمُونَ يَصِيحُونَ بِهِمْ، وَدَخَلُوا مَعَهُمُ الْمَدِينَةَ وَمُلِكَتْ عَنْوَةً، وَهَرَبَ قَوْمٌ مِنَ النَّصَارَى، ثُمَّ طَلَبُوا الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى أَرْضِهِمْ، فَقُوطِعُوا عَلَى خَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، وَتُرِكَتْ لَهُمْ كَنِيسَتُهُمْ، وَبَنَى الْمُسْلِمُونَ بِهَا مَسْجِدًا جَامِعًا، بَنَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، ثُمَّ وُسِّعَ فِيهِ بَعْدُ.
وَلَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ اللَّاذِقِيَّةَ جَلَا أَهْلُ جَبَلَةَ مِنَ الرُّومِ عَنْهَا، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ مُعَاوِيَةَ بَنَى حِصْنًا خَارِجَ الْحِصْنِ الرُّومِيِّ وَشَحَنَهُ بِالرِّجَالِ.
وَفَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنْطَرْطُوسَ، وَكَانَ حَصِينًا، فَجَلَا عَنْهُ أَهْلُهُ، فَبَنَى مُعَاوِيَةُ مَدِينَةَ أَنْطَرْطُوسَ، وَمَصَّرَهَا، وَأَقْطَعَ بِهَا الْقَطَائِعَ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِبَانْيَاسَ
وَفُتِحَتْ سَلَمْيَةُ أَيْضًا، وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ سَلَمْيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ بِقُرْبِهَا مَدِينَةٌ تُدْعَى الْمُؤْتَفِكَةَ انْقَلَبَتْ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ غَيْرُ مِائَةِ نَفْسٍ، فَبَنَوْا لَهُمْ مِائَةَ مَنْزِلٍ، وَسُمِّيَتْ سَلِمَ مِائَةٌ، ثُمَّ حَرَّفَ النَّاسُ فَقَالُوا: سَلَمْيَةُ، وَهَذَا يَتَمَشَّى لِقَائِلِهِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا عَرَبًا وَلِسَانُهُمْ عَرَبِيًّا، وَأَمَّا إِذْ كَانَ لِسَانُهُمْ أَعْجَمِيًّا فَلَا يَسُوغُ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ إِنَّ صَالِحَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ اتَّخَذَهَا دَارًا وَبَنَى [وَ] وَلَدُهُ فِيهَا وَمَصَّرُوهَا، وَنَزَلَهَا مَنْ نَزَلَهَا مِنْ وَلَدِهُ، فَهِيَ وَأَرَضُوهَا لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute