وَفِيهَا سَيَّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ جَيْشًا مَعَ مَيْسَرَةَ بْنِ مَسْرُوقٍ الْعَبْسِيِّ، فَسَلَكُوا دَرْبَ بَغْرَاسَ مِنْ أَعْمَالِ أَنْطَاكِيَةَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَلَكَ ذَلِكَ الدَّرْبَ، فَلَقِيَ جَمْعًا لِلرُّومِ مَعَهُمْ عَرَبٌ مِنْ غَسَّانَ وَتَنُوخَ وَإِيَادٍ يُرِيدُونَ اللَّحَاقَ بِهِرَقْلَ، فَأَوْقَعَ مِنْهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ مَالِكٌ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ مَدَدًا مِنْ قِبَلِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ بِأَنْطَاكِيَةَ، فَسَلِمُوا وَعَادُوا. وَسَيَّرَ جَيْشًا آخَرَ إِلَى مَرْعَشَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَهَا عَلَى إِجْلَاءِ أَهْلِهَا بِالْأَمَانِ وَأَخْرَبَهَا. وَسَيَّرَ جَيْشًا آخَرَ مَعَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى حِصْنِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحَدَثَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا عَلَيْهِ غُلَامًا حَدَثًا فَقَاتَلَهُمْ فِي أَصْحَابِهِ، فَقِيلَ دَرْبُ الْحَدَثِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُصِيبُوا بِهِ فَقِيلَ دَرْبُ الْحَدَثِ، وَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يُسَمُّونَهُ دَرْبَ السَّلَامَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى.
ذِكْرُ فَتْحِ قَيْسَارِيَّةَ وَحَصْرِ غَزَّةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فُتِحَتْ قَيْسَارِيَّةُ، وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: سَنَةَ عِشْرِينَ. وَكَانَ سَبَبُهَا: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يُرْسِلَ مُعَاوِيَةَ إِلَى قَيْسَارِيَّةَ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، فَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهَا فَحَصَرَ أَهْلَهَا، فَجَعَلُوا يُزَاحِفُونَهُ وَهُوَ يَهْزِمُهُمْ وَيَرُدُّهُمْ إِلَى حِصْنِهِمْ. ثُمَّ زَاحَفُوهُ آخِرَ ذَلِكَ مُسْتَمِيتِينَ، وَبَلَغَتْ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَكَمَّلَهَا فِي هَزِيمَتِهِمْ مِائَةَ أَلْفٍ وَفَتَحَهَا، وَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزِّزٍ قَدْ حَصَرَ الْقِيقَارَ بِغَزَّةَ وَجَعَلَ يُرَاسِلُهُ، فَلَمْ يُشْفِهُ أَحَدٌ بِمَا يُرِيدُ، فَأَتَاهُ كَأَنَّهُ رَسُولُ عَلْقَمَةَ، فَأَمَرَ الْقِيقَارُ رَجُلًا أَنْ يَقْعُدَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ قَتَلَهُ، فَفَطِنَ عَلْقَمَةُ فَقَالَ: إِنَّ مَعِيَ نَفَرًا يُشْرِكُونَنِي فِي الرَّأْيِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِيكَ بِهِمْ، فَبَعَثَ الْقِيقَارُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُ، فَخَرَجَ عَلْقَمَةُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَمْ يَعُدْ، وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ عَمْرٌو بِالْأَرْطَبُونِ.
(مُجَزِّزٌ: بِجِيمٍ وَزَايَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ [مُشَدَّدَةٌ] ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute