فَبَعَثَ اللَّهُ، لَمَّا أَرَادَ هَلَاكَهَمْ وَنَصْرَ رَسُولِهِ، جَبْرَائِيلَ وَمَلَكَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ، أَحَدُهُمَا مِيكَائِيلُ، وَالْآخَرُ إِسْرَافِيلُ، فَأَقْبَلُوا فِيمَا ذُكِرَ مُشَاةً فِي صُورَةِ رِجَالٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْدَءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، وَسَارَةَ وَيُبَشِّرُونَ بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ.
فَلَمَّا نَزَلُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ الضَّيْفُ قَدْ أَبْطَأَ عَنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُضِيفُ مَنْ نَزَلَ بِهِ، وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ الرِّزْقَ، فَرِحَ بِهِمْ وَرَأَى ضَيْفًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُمْ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَقَالَ: لَا يَخْدُمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا أَنَا بِيَدَيَّ. فَخَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ قَدْ حَنَذَهُ، أَيْ أَنْضَجَهُ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، فَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ عَنْهُ، {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ} [هود: ٧٠] سَارَةُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ لِمَا عَرَفَتْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَلِمَا تَعْلَمُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١] فَقَالَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود: ٧٢] ، إِلَى قَوْلِهِ: {حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: ٧٣] . وَكَانَتِ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} [هود: ٧٤] ذَهَبَ يُجَادِلُ جَبْرَائِيلَ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِمَ يُعَذِّبُهُمْ؟ قَالَ: وَأَرْبَعُونَ. قَالُوا: وَأَرْبَعُونَ؟ قَالَ: وَثَلَاثُونَ، حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً. قَالُوا: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ؟ قَالَ: مَا قَوْمٌ لَا يَكُونُ فِيهِمْ عَشَرَةٌ فِيهِمْ خَيْرٌ! ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: ٣٢] .
ثُمَّ مَضَتِ الْمَلَائِكَةُ نَحْوَ سَدُومَ قَرْيَةِ لُوطٍ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهَا لَقُوا لُوطًا فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّا مُتَضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَشَى سَاعَةً الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute