للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَزَلَ سَعْدٌ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، وَسَرَّحَ سَعْدٌ زُهْرَةَ فِي آثَارِهِمْ إِلَى النَّهْرَوَانَ، وَمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.

وَكَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَائِدَ الْمُسْلِمِينَ وَدَاعِيَتَهُمْ، دَعَا أَهْلَ بَهُرَسِيرَ ثَلَاثًا وَأَهْلَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ ثَلَاثًا، وَاتَّخَذَ سَعْدٌ إِيوَانَ كِسْرَى مُصَلًّى وَلَمْ يُغَيِّرْ مَا فِيهِ مِنَ التَّمَاثِيلِ.

وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدَائِنِ أَعْجَبُ مِنْ عُبُورِ الْمَاءِ، وَكَانَ يُدْعَى يَوْمَ الْجَرَاثِيمِ، لَا يَبْغِي أَحَدٌ إِلَّا اشْمَخَرَّتْ لَهُ جُرْثُومَةٌ مِنَ الْأَرْضِ يَسْتَرِيحُ عَلَيْهَا مَا يُبْلُغُ الْمَاءُ حِزَامَ فَرَسِهِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ أَبُو بُجَيْدٍ نَافِعُ بْنُ الْأَسْوَدِ:

وَأَسَلْنَا عَلَى الْمَدَائِنِ خَيْلًا بَحْرُهَا مِثْلُ بَرِّهِنَّ أَرِيضَا

فَانْتَثَلْنَا خَزَائِنَ الْمَرْءِ كِسْرَى يَوْمَ وَلَّوْا وَخَاضَ مِنْهَا جَرِيضَا

وَلَمَّا دَخَلَ سَعْدٌ الْإِيوَانَ قَرَأَ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ} [الدخان: ٢٥] إِلَى قَوْلِهِ: {قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: ٢٨] ، وَصَلَّى فِيهِ صَلَاةَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَلَا يُصَلِّي جَمَاعَةً، وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ بِالْعِرَاقِ، وَجُمِّعَتْ بِالْمَدَائِنِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.

وَلَمَّا سَارَ الْمُسْلِمُونَ وَرَاءَهُمْ أَدْرَكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَارِسِيًّا يَحْمِي أَصْحَابَهُ، فَضَرَبَ فَرَسَهُ لِيَقْدُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَأَحْجَمَ وَأَرَادَ الْفِرَارَ فَتَقَاعَسَ، فَأَدْرَكَهُ الْمُسْلِمُ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ.

وَأَدْرَكَ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةً مِنَ الْفُرْسِ يَتَلَاوَمُونَ، وَقَدْ نَصَبُوا لِأَحَدِهِمْ كُرَةً، وَهُوَ يَرْمِيهَا لَا يُخْطِئُهَا، فَرَجَعُوا فَلَقِيَهُمُ الْمُسْلِمُ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْفَارِسِيُّ فَرَمَاهُ بِأَقْرَبَ مِمَّا كَانَتِ الْكُرَةُ فَلَمْ يُصِبْهُ، فَوَصَلَ الْمُسْلِمُ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَهَرَبَ أَصْحَابُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>