للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّوَادِ وَالْجَبَلِ، وَلْيَكُنِ الْجُنْدُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.

فَفَعَلَ سَعْدٌ ذَلِكَ، وَسَارَ هَاشِمٌ مِنَ الْمَدَائِنِ بَعْدَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، مِنْهُمْ وُجُوهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَعْلَامُ الْعَرَبِ مِمَّنْ كَانَ ارْتَدَّ وَمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَسَارَ مِنَ الْمَدَائِنِ فَمَرَّ بِبَابِلَ مَهْرُوذَ، فَصَالَحَهُ دِهْقَانُهَا عَلَى أَنْ يَفْرِشَ لَهُ جَرِيبَ الْأَرْضِ دَرَاهِمَ فَفَعَلَ وَصَالَحَهُ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ جَلُولَاءَ، فَحَاصَرَهُمْ فِي خَنَادِقِهِمْ وَأَحَاطَ بِهِمْ، وَطَاوَلَهُمُ الْفُرْسُ وَجَعَلُوا لَا يَخْرُجُونَ إِلَّا إِذَا أَرَادُوا، وَزَاحَفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ نَحْوَ ثَمَانِينَ يَوْمًا، كُلُّ ذَلِكَ يُنْصَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَتِ الْأَمْدَادُ تَرِدُ مِنْ يَزْدَجِرْدَ إِلَى مِهْرَانَ، وَأَمَدَّ سَعْدٌ الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَتِ الْفُرْسُ وَقَدِ احْتَفَلُوا، فَاقْتَتَلُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ حَتَّى أَظْلَمَتْ عَلَيْهِمُ الْبِلَادُ فَتَحَاجَزُوا فَسَقَطَ فُرْسَانُهُمْ فِي الْخَنْدَقِ، فَجَعَلُوا فِيهِ طُرُقًا مِمَّا يَلِيهِمْ يَصْعَدُ مِنْهُ خَيْلُهُمْ، فَأَفْسَدُوا حِصْنَهُمْ. وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ فَنَهَضُوا إِلَيْهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يَقْتَتِلُوا مِثْلَهُ وَلَا لَيْلَةَ الْهَرِيرِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ أَعْجَلَ. وَانْتَهَى الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي زَحَفَ فِيهِ إِلَى بَابِ خَنْدَقِهِمْ فَأَخَذَ بِهِ وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا أَمِيرُكُمْ قَدْ دَخَلَ الْخَنْدَقَ وَأَخَذَ بِهِ، فَأَقْبِلُوا إِلَيْهِ وَلَا يَمْنَعْكُمْ مَنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مِنْ دُخُولِهِ. وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِيُقَوِّيَ الْمُسْلِمِينَ. فَحَمَلُوا وَلَا يَشُكُّونَ بِأَنَّ هَاشِمًا فِي الْخَنْدَقِ، فَإِذَا هُمْ بِالْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ أَخَذَ بِهِ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْمَجَالِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَهَلَكُوا فِيمَا أَعَدُّوا مِنَ الْحَسَكِ، فَعُقِرَتْ دَوَابُّهُمْ وَعَادُوا رَجَّالَةً، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ لَا يُعَدُّ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ، فَحَلَّلَتِ الْقَتْلَى الْمَجَالَ وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا خَلْفَهُ، فَسُمِيَتْ جَلُولَاءَ بِمَا جَلَّلَهَا مِنْ قَتْلَاهُمْ، فَهِيَ جَلُولَاءُ الْوَقِيعَةِ. فَسَارَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو فِي الطَّلَبِ حَتَّى بَلَغَ خَانِقِينَ.

وَلَمَّا بَلَغَتِ الْهَزِيمَةُ يَزْدَجِرْدَ سَارَ مِنْ حُلْوَانَ نَحْوَ الرَّيِّ، وَقَدِمَ الْقَعْقَاعُ حُلْوَانَ فَنَزَلَهَا فِي جُنْدٍ مِنَ الْأَفْنَاءِ وَالْحَمْرَاءِ.

وَكَانَ فَتْحُ جَلُولَاءَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>