للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النُّعْمَانُ وَالْهُرْمُزَانُ بِأَرْبُكَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - هَزَمَ الْهُرْمُزَانَ، فَتَرَكَ رَامَهُرْمُزَ وَلَحِقَ بِتُسْتَرَ، وَسَارَ النُّعْمَانُ إِلَى رَامَهُرْمُزَ وَنَزَلَهَا وَصَعِدَ إِلَى إِيذَجَ، فَصَالَحَهُ تِيرَوَيْهِ عَلَى إِيذَجَ، وَرَجَعَ إِلَى رَامَهُرْمُزَ فَأَقَامَ بِهَا. وَوَصَلَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَنَزَلُوا سُوقَ الْأَهْوَازِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ رَامَهُرْمُزَ، فَأَتَاهُمْ خَبَرُ الْوَقْعَةِ وَهُمْ بِسُوقِ الْأَهْوَازِ، وَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ قَدْ لَحِقَ بِتُسْتَرَ، فَسَارُوا نَحْوَهُ، وَسَارَ النُّعْمَانُ أَيْضًا، وَسَارَ حُرْقُوصٌ وَسُلْمَى وَحَرْمَلَةُ وَجَزَءٌ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى تُسْتَرَ وَبِهَا الْهُرْمُزَانُ وَجُنُودُهُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَالْجِبَالِ وَالْأَهْوَازِ فِي الْخَنَادِقِ، وَأَمَدَّهُمْ عُمَرُ بِأَبِي مُوسَى، وَجَعَلَهُ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَلَى الْجَمِيعِ أَبُو سَبْرَةَ، فَحَاصَرُوهُمْ أَشْهُرًا وَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ، وَقَتَلَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ أَخُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي ذَلِكَ الْحِصَارِ إِلَى الْفَتْحِ مِائَةً مُبَارَزَةً، سِوَى مَنْ قَتَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَتَلَ مِثْلَهُ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ وَكَعْبُ بْنُ ثَوْرٍ وَعِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَزَاحَفَهُمُ الْمُشْرِكُونَ أَيَّامَ تُسْتَرَ ثَمَانِينَ زَحْفًا، يَكُونُ لَهُمْ مَرَّةً، وَمَرَّةً عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ زَحْفٍ مِنْهَا وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ لَيَهْزِمَنَّهُمْ لَنَا. قَالَ: اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ لَنَا وَاسْتَشْهِدْنِي، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَهَزَمُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ خَنَادِقَهُمْ ثُمَّ اقْتَحَمُوهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ دَخَلُوا مَدِينَتَهُمْ وَأَحَاطَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ.

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ضَاقَتِ الْمَدِينَةُ بِهِمْ وَطَالَتْ حَرْبُهُمْ، خَرَجَ رَجُلٌ إِلَى النُّعْمَانِ يَسْتَأْمِنُهُ، عَلَى أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَدْخَلٍ يَدْخُلُونَ مِنْهُ، وَرَمَى فِي نَاحِيَةِ أَبِي مُوسَى بِسَهْمٍ: إِنْ آمَنْتُمُونِي دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَكَانٍ تَأْتُونَ الْمَدِينَةَ مِنْهُ. فَآمَنُوهُ فِي نُشَّابَةٍ. فَرَمَى إِلَيْهِمْ بِأُخْرَى وَقَالَ: انْهَدُوا مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الْمَاءِ فَإِنَّكُمْ تَقْتَحِمُونَهَا. فَنَدَبَ النَّاسَ إِلَيْهِ، فَانْتُدِبَ لَهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ وَبَشَرٌ كَثِيرٌ وَنَهَدُوا لِذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْلًا، وَقَدْ نَدَبَ النُّعْمَانُ أَصْحَابَهُ لِيَسِيرُوا مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي يَدُلُّهُمْ عَلَى الْمَدْخَلِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَانْتُدِبَ لَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَخْرَجِ، فَدَخَلُوا فِي السَّرَبِ وَالنَّاسُ مِنْ خَارِجٍ. فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ كَبَّرُوا فِيهَا وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَارِجٍ، وَفُتِحَتِ الْأَبْوَابُ، فَاجْتَلَدُوا فِيهَا فَأَنَامُوا كُلَّ مُقَاتِلٍ، وَقَصَدَ الْهُرْمُزَانُ الْقَلْعَةَ فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَأَطَافَ بِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ، فَأَوْثَقُوهُ وَاقْتَسَمُوا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ سَهْمُ الْفَارِسِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَسَهْمُ الرَّاجِلِ أَلْفًا. وَجَاءَ صَاحِبُ الرَّمْيَةِ وَالرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَأَمَّنُوهُمَا وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ مَعَهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>