وَلَأَقْتُلَنَّهَا. فَتَأَخَّرَ يَعْقُوبُ وَخَرَجَ عِيصٌ، وَأَخَذَ يَعْقُوبُ بِعَقِبِ عِيصٍ، فَسُمِّيَ يَعْقُوبَ وَسُمِّيَ أَخُوهُ عِيصًا لِعِصْيَانِهِ. وَكَانَ عِيصٌ أَحَبَّهُمَا إِلَى أَبِيهِ وَيَعْقُوبُ أَحَبَّهُمَا إِلَى أُمِّهِ. وَكَانَ عِيصٌ صَاحِبَ صَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ لَمَّا كَبِرَ وَعَمِيَ. يَا بُنَيَّ أَطْعِمْنِي لَحْمَ صَيْدٍ وَاقْتَرِبْ مِنِّي أَدْعُو لَكَ بِدُعَاءٍ دَعَا لِي بِهِ أَبِي. وَكَانَ عِيصٌ رَجُلًا أَشْعَرَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ أَجْرَدَ، وَسَمِعَتْ أُمُّهُمَا ذَلِكَ وَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: يَا بُنَيَّ، اذْبَحْ شَاةً، وَاشْوِهَا، وَالْبَسْ جِلْدَهَا وَقَرِّبْهَا إِلَى أَبِيكَ، وَقُلْ لَهُ: أَنَا ابْنُكَ عِيصٌ، فَفَعَلَ ذَلِكَ يَعْقُوبُ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَتَاهُ كُلْ. قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُكَ عِيصٌ. فَمَسَحَهُ إِسْحَاقُ، فَقَالَ: الْمَسُّ مَسُّ عِيصٍ وَالرِّيحُ رِيحُ يَعْقُوبَ. قَالَتْ أُمُّهُ: إِنَّهُ عِيصٌ فَكُلْ. فَأَكَلَ وَدَعَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُلُوكَ.
وَقَامَ يَعْقُوبُ وَجَاءَ عِيصٌ، وَكَانَ فِي الصَّيْدِ، فَقَالَ لِأَبِيهِ: قَدْ جِئْتُكَ بِالصَّيْدِ الَّذِي طَلَبْتَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ قَدْ سَبَقَكَ أَخُوكَ. فَحَلَفَ عِيصٌ لَيَقْتُلَنَّ يَعْقُوبَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، قَدْ بَقِيَتْ لَكَ دَعْوَةٌ، فَدَعَا لَهُ أَنْ يَكُونَ ذُرِّيَّتَهُ عَدَدَ التُّرَابِ وَأَنْ لَا يَمْلِكَهُمْ غَيْرُهُمْ.
وَهَرَبَ يَعْقُوبُ خَوْفًا مِنْ أَخِيهِ إِلَى خَالِهِ، وَكَانَ يَسْرِي بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُ بِالنَّهَارِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ إِسْرَائِيلَ.
ثُمَّ إِنَّ يَعْقُوبَ تَزَوَّجَ ابْنَتَيْ خَالِهِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣] . وَوُلِدَ لَهُ مِنْهُمَا، فَمَاتَتْ رَاحِيلُ فِي نِفَاسِهَا بِبِنْيَامِينَ.
وَأَرَادَ يَعْقُوبُ الرُّجُوعَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَعْطَاهُ خَالُهُ قَطِيعَ غَنَمٍ، فَلَمَّا ارْتَحَلُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَفَقَةٌ، فَقَالَتْ زَوْجَةُ يَعْقُوبَ لِيُوسُفَ: اسْرِقْ صَنَمًا مِنْ أَصْنَامِ أَبِي نَسْتَنْفِقْ مِنْهُ. فَسَرَقَ صَنَمًا مِنْ أَصْنَامِ أَبِيهَا.
وَأَحَبَّ يَعْقُوبُ يُوسُفَ وَأَخَاهُ بِنْيَامِينَ حُبًّا شَدِيدًا لِيُتْمِهِمَا، وَقَالَ يَعْقُوبُ لِرَاعٍ مِنَ الرُّعَاةِ: إِذَا أَتَاكُمْ أَحَدٌ يَسْأَلُكُمْ مَنْ أَنْتُمْ، فَقُولُوا: نَحْنُ لِيَعْقُوبَ عَبْدِ عِيصٍ. فَلَقِيَهُمْ عِيصٌ، فَسَأَلَهُمْ فَأَجَابَهُ الرَّاعِي بِذَلِكَ الْجَوَابِ، فَكَفَّ عِيصٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَنَزَلَ يَعْقُوبُ الشَّامَ، وَمَاتَ إِسْحَاقُ بِالشَّامِ، وَعُمُرُهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute