وَسَارَ الْأَحْنَفُ إِلَى بَلْخَ فَنَزَلَهَا بَعْدَ عُبُورِ خَاقَانَ النَّهْرَ مِنْهَا، وَنَزَلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي كُوَرِهَا الْأَرْبَعِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرْوِ الرُّوذِ فَنَزَلَهَا، وَكَتَبَ بِفَتْحِ خَاقَانَ وَيَزْدَجِرْدَ إِلَى عُمَرَ.
وَلَمَّا عَبَرَ خَاقَانُ وَيَزْدَجِرْدُ النَّهْرَ لَقِيَا رَسُولَ يَزْدَجِرْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَى مَلِكِ الصِّينِ، فَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ مَلِكَ الصِّينِ قَالَ لَهُ: صِفْ لِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكَ تَذْكُرُ قِلَّةً مِنْهُمْ وَكَثْرَةً مِنْكُمْ، وَلَا يَبْلُغُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الْقَلِيلِ مِنْكُمْ مَعَ كَثْرَتِكُمْ، إِلَّا بِخَيْرٍ عِنْدَهُمْ وَشَرٍّ فِيكُمْ. فَقُلْتُ: سَلْنِي عَمَّا أَحْبَبْتَ. فَقَالَ: أَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ قَالَ قُلْتُ: يَدْعُونَنَا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثٍ: إِمَّا دِينِهِمْ، فَإِنْ أَجَبْنَا أَجْرَوْنَا مَجْرَاهُمْ، أَوِ الْجِزْيَةِ وَالْمَنَعَةِ، أَوِ الْمُنَابَذَةِ. قَالَ: فَكَيْفَ طَاعَتُهُمْ أُمَرَاءَهُمْ؟ قُلْتُ: أَطْوَعُ قَوْمٍ وَأَرْشَدُهُمْ. قَالَ: فَمَا يُحِلُّونَ وَمَا يُحَرِّمُونَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: هَلْ يُحِلُّونَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُحَرِّمُونَ مَا حُلِّلَ لَهُمْ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَا يَزَالُونَ عَلَى ظَفَرٍ حَتَّى يُحِلُّوا حَرَامَهُمْ أَوْ يُحَرِّمُوا حَلَالَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ لِبَاسِهِمْ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، وَعَنْ مَطَايَاهُمْ؟ فَقُلْتُ: الْخَيْلُ الْعِرَابُ، وَوَصَفْتُهَا لَهُ. فَقَالَ: نِعْمَتِ الْحُصُونُ! وَوَصَفْتُ لَهُ الْإِبِلَ وَبُرُوكَهَا وَقِيَامَهَا بِحِمْلِهَا. فَقَالَ: هَذِهِ صِفَةُ دَوَابٍّ طِوَالِ الْأَعْنَاقِ. وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى يَزْدَجِرْدَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْكَ بِجُنْدٍ أَوَّلُهُ بِمَرْوٍ وَآخِرُهُ بِالصِّينِ الْجَهَالَةُ بِمَا يَحِقُّ عَلَيَّ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ وَصَفَ لِي رَسُولُكَ لَوْ يُحَاوِلُونَ الْجِبَالَ لَهَدُّوهَا، وَلَوْ خَلَا لَهُمْ سَرْبُهُمْ أَزَالُونِي مَا دَامُوا عَلَى [مَا] وَصَفَ، فَسَالِمْهُمْ وَارْضَ مِنْهُمْ بِالْمُسَاكَنَةِ، وَلَا تُهَيِّجْهُمْ مَا لَمْ يُهَيِّجُوكَ. فَأَقَامَ يَزْدَجِرْدُ بِفَرْغَانَةَ وَمَعَهُ آلُ كِسْرَى بِعَهْدٍ مِنْ خَاقَانَ.
وَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ الْفَتْحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ، وَخَطَبَهُمْ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ الْفَتْحِ، وَحَمِدَ اللَّهَ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى إِنْجَازِ وَعْدِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ مُلْكَ الْمَجُوسِيَّةِ قَدْ هَلَكَ، فَلَيْسُوا يَمْلِكُونَ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا يَضُرُّ بِمُسْلِمٍ. أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَلَا تُبَدِّلُوا فَيَسْتَبْدِلُ اللَّهُ بِكُمْ غَيْرَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ تُؤْتَى إِلَّا مِنْ قِبَلِكُمْ.
وَقِيلَ: إِنَّ فَتْحَ خُرَاسَانَ كَانَ زَمَنَ عُثْمَانَ، وَسَيَرِدُ هُنَاكَ.
ذِكْرُ فَتْحِ شَهْرَزُورَ وَالصَّامَغَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute