ذِكْرُ عَزْلِ سَعْدٍ عَنِ الْكُوفَةِ وَوِلَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَاسْمُ أَبِي مُعَيْطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ لِأُمِّهِ، (أُمُّهُمَا أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزٍ، وَأُمُّهَا الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) .
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا اقْتَرَضَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا، فَلَمَّا تَقَاضَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ قَضَاؤُهُ فَارْتَفَعَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا أَرَاكَ إِلَّا سَتَلْقَى شَرًّا، هَلْ أَنْتَ إِلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ عَبْدٌ مِنْ هُذَيْلٍ؟ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنِّي لَابْنُ مَسْعُودٍ وَإِنَّكَ لَابْنُ حُمَيْنَةَ. وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حَاضِرًا فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَصَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَنْظُرُ إِلَيْكُمَا. فَرَفَعَ سَعْدٌ يَدَهُ لِيَدْعُوَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ فِيهِ حِدَّةٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَيْلَكَ قُلْ خَيْرًا وَلَا تَلْعَنْ. فَقَالَ سَعْدٌ عِنْدَ ذَلِكَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا اتِّقَاءُ اللَّهِ لَدَعَوْتُ عَلَيْكَ دَعْوَةً لَا تُخْطِئُكَ. فَوَلَّى عَبْدُ اللَّهِ سَرِيعًا حَتَّى خَرَجَ، ثُمَّ اسْتَعَانَ عَبْدُ اللَّهِ بِأُنَاسٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَالِ، وَاسْتَعَانَ سَعْدٌ بِأُنَاسٍ عَلَى إِنْظَارِهِ، فَافْتَرَقُوا وَبَعْضُهُمْ يَلُومُ بَعْضًا، يَلُومُ هَؤُلَاءِ سَعْدًا وَهَؤُلَاءِ عَبْدَ اللَّهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا نُزِغَ بِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَوَّلَ مِصْرٍ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ أَهْلِهِ. وَبَلَغَ الْخَبَرُ عُثْمَانَ فَغَضِبَ عَلَيْهِمَا فَعَزَلَ سَعْدًا وَأَقَرَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مَكَانَ سَعْدٍ، وَكَانَ عَلَى عَرَبِ الْجَزِيرَةِ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بَعْدَهُ، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ وَالِيًا عَلَيْهَا، (وَأَقَامَ عَلَيْهَا خَمْسَ سِنِينَ، وَهُوَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَى أَهْلِهَا) . فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَكِسْتَ بَعْدَنَا أَمْ حَمُقْنَا بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: لَا تَجْزَعَنَّ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمُلْكُ يَتَغَدَّاهُ قَوْمٌ وَيَتَعَشَّاهُ آخَرُونَ. فَقَالَ سَعْدٌ: أَرَاكُمْ جَعَلْتُمُوهَا مُلْكًا! وَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَدْرِي أَصَلُحَتْ بَعْدَنَا أَمْ فَسَدَ النَّاسُ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute