للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مَاتَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيَّةُ، أَلْقَتْهَا بِغْلَتُهَا بِجَزِيرَةِ قُبْرُسَ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ، تَصْدِيقًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَيْثُ أَخْبَرَهَا أَنَّهَا فِي أَوَّلِ مَنْ يَغْزُو فِي الْبَحْرِ.

وَبَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْجَاسِيُّ عَلَى الْبَحْرِ، فَغَزَا خَمْسِينَ غَزَاةً مِنْ بَيْنِ شَاتِيَةٍ وَصَائِفَةٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، لَمْ يَغْرَقْ أَحَدٌ وَلَمْ يُنْكَبْ، فَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَهُ فِي جُنْدِهِ، فَأَجَابَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُ فِي جَسَدِهِ خَرَجَ فِي قَارِبٍ طَلِيعَةً، فَانْتَهَى إِلَى الْمَرْفَإِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ وَعَلَيْهِ مَسَاكِينُ يَسْأَلُونَ، فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ، فَرَجَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ إِلَى قَرْيَتِهَا فَقَالَتْ لِلرِّجَالِ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ فِي الْمَرْفَإِ، فَثَارُوا إِلَيْهِ فَهَجَمُوا عَلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ بَعْدَ أَنْ قَاتَلَهُمْ، فَأُصِيبَ وَحْدَهُ، وَنَجَا الْمَلَّاحُ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ، فَأَعْلَمَهُمْ فَجَاءُوا حَتَّى أَرْسَوْا بِالْمَرْفَإِ، وَالْخَلِيفَةُ عَلَيْهِمْ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ الْأَزْدِيُّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَضَجِرَ، فَجَعَلَ يَشْتُمُ أَصْحَابَهُ. فَقَالَتْ جَارِيَةُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا هَكَذَا كَانَ يَقُولُ حِينَ يُقَاتِلُ! فَقَالَ سُفْيَانُ: فَكَيْفَ كَانَ يَقُولُ؟ قَالَتْ:

" الْغَمَرَاتُ ثُمَّ يَنْجَلِينَا "

فَلَزِمَهَا بِقَوْلِهَا، وَأُصِيبَ فِي الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ. وَقِيلَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدُ: بِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ كَالتَّاجِرِ فَلَمَّا سَأَلْتُهُ أَعْطَانِي كَالْمَلِكِ فَعَرَفْتُهُ بِهَذَا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ سُورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>