فَانْتَقَضَتْ إِصْطَخْرُ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَتَمَّمَ السَّيَرَ إِلَى جُورَ وَحَاصَرَهَا، وَكَانَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ مُحَاصِرًا لَهَا، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحَاصِرُونَهَا وَيَنْصَرِفُونَ عَنْهَا فَيَأْتُونَ إِصْطَخْرَ وَيَغْزُونَ نَوَاحِيَ كَانَتْ تَنْتَقِضُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا نَزَلَ ابْنُ عَامِرٍ عَلَيْهَا فَتَحَهَا.
وَكَانَ سَبَبُ فَتْحِهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَإِلَى جَانِبِهِ جِرَابٌ لَهُ فِيهِ خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَجَاءَ كَلْبٌ فَجَرَّهُ وَعَدَا بِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَدْخَلٍ لَهَا خَفِيٍّ، فَلَزِمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْمَدْخَلَ حَتَّى دَخَلُوهَا مِنْهُ وَفَتَحُوهَا عَنْوَةً.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا ابْنُ عَامِرٍ عَادَ إِلَى إِصْطَخْرَ فَفَتَحَهَا عَنْوَةً بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهَا وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ عَلَيْهَا، وَرُمِيَتْ بِالْمَجَانِيقِ، وَقَتَلَ بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْأَعَاجِمِ، وَأُفْنِيَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ وَوُجُوهُ الْأَسَاوِرَةِ، وَكَانُوا قَدْ لَجَئُوا إِلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ إِصْطَخْرَ لَمَّا نَكَثُوا عَادَ إِلَيْهَا ابْنُ عَامِرٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى جُورَ، فَمَلَكَهَا عَنْوَةً، وَعَادَ إِلَى جُورَ فَأَتَى دَارَابْجِرْدَ فَمَلَكَهَا، وَكَانَتْ مُنْتَقِضَةً أَيْضًا، وَوَطِئَ أَهْلَ فَارِسَ وَطْأَةً لَمْ يَزَالُوا مِنْهَا فِي ذُلٍّ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بِالْخَبَرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَى بِلَادِ فَارِسَ هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ الْيَشْكُرِيَّ، وَهَرِمَ بْنَ حَيَّانَ الْعَبْدِيَّ، وَالْخِرِّيتَ بْنَ رَاشِدٍ، وَالْمِنْجَابَ بْنَ رَاشِدٍ، وَالتُّرْجُمَانَ الْهُجَيْمِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُفَرِّقَ كُوَرَ خُرَاسَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَيَجْعَلَ الْأَحْنَفَ عَلَى الْمَرْوَيْنِ، وَحَبِيبَ بْنَ قُرَّةَ الْيَرْبُوعِيَّ عَلَى بَلْخَ، وَخَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُهَيْرٍ عَلَى هَرَاةَ، وَأُمَيْرَ بْنَ أَحْمَرَ عَلَى طُوسَ، وَقَيْسَ بْنَ هُبَيْرَةَ السُّلَمِيَّ عَلَى نَيْسَابُورَ، وَبِهِ تَخَرَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، ثُمَّ جَمَعَهَا عُثْمَانُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِقَيْسٍ، وَاسْتَعْمَلَ أُمَيْرَ بْنَ أَحْمَرَ عَلَى سِجِسْتَانَ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَهُوَ مِنْ آلِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَمَاتَ عُثْمَانُ وَهُوَ عَلَيْهَا، وَمَاتَ وَعِمْرَانُ عَلَى مُكْرَانَ، وَعُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ عَلَى فَارِسَ، وَابْنُ كِنْدِيرَ الْقُشَيْرِيُّ عَلَى كَرْمَانَ.
ثُمَّ وَفَّدَ قَيْسُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَازِمٍ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَكَانَ ابْنُ عَامِرٍ يُكْرِمُهُ، فَقَالَ لِابْنِ عَامِرٍ: اكْتُبْ لِي عَلَى خُرَاسَانَ عَهْدًا إِنْ خَرَجَ عَنْهَا قَيْسٌ. فَفَعَلَ، فَرَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَجَاشَ الْعَدُوُّ قَالَ ابْنُ خَازِمٍ لِقَيْسٍ: الرَّأْيُ أَنْ تَخْلُفَنِي وَتَمْضِيَ حَتَّى تَنْظُرَ فِيمَا يَنْظُرُونَ فِيهِ، فَفَعَلَ، فَأَخْرَجَ ابْنُ خَازِمٍ بَعْدَهُ عَهْدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute