وَأَذَاعُوا ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنِ اسْتَتَرَ عَنَّا لَمْ نَتَّبِعْ عَوْرَتَهُ. فَعَاتَبَهُ الْوَلِيدُ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى تَغَاضَبَا. ثُمَّ أُتِيَ الْوَلِيدُ بِسَاحِرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِّهِ، وَاعْتَرَفَ السَّاحِرُ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ يُخَيِّلُ إِلَى النَّاسِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي دُبُرِ الْحِمَارِ وَيَخْرُجُ مِنْ فِيهِ، فَأَمَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِقَتْلِهِ. فَلَمَّا أَرَادَ الْوَلِيدُ قَتْلَهُ أَقْبَلَ النَّاسُ وَمَعَهُمْ جُنْدُبٌ فَضَرَبَ السَّاحِرَ فَقَتَلَهُ، فَحَبَسَهُ الْوَلِيدُ وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ فِيهِ، وَأَمَرَهُ بِإِطْلَاقِهِ وَتَأْدِيبِهِ، فَغَضِبَ لِجُنْدُبٍ أَصْحَابُهُ، وَخَرَجُوا إِلَى عُثْمَانَ يَسْتَعْفُونَ مِنَ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُمْ خَائِبِينَ. فَلَمَّا رَجَعُوا أَتَاهُمْ كُلُّ مَوْتُورٍ فَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ عَلَى رَأْيِهِمْ، وَدَخَلَ أَبُو زَيْنَبَ وَأَبُو مُوَرِّعٍ وَغَيْرُهُمَا عَلَى الْوَلِيدِ فَتَحَدَّثُوا عِنْدَهُ، فَنَامَ فَأَخَذَا خَاتَمَهُ وَسَارَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَيْقَظَ الْوَلِيدُ فَلَمْ يَرَ خَاتَمَهُ، فَسَأَلَ نِسَاءَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْنَهُ أَنَّ آخِرَ مَنْ بَقِيَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ صِفَتُهُمَا كَذَا وَكَذَا. فَاتَّهَمَهُمَا وَقَالَ: هُمَا أَبُو زَيْنَبَ وَأَبُو مُوَرِّعٍ، وَأَرْسَلَ يَطْلُبُهُمَا، فَلَمْ يُوجَدَا.
فَقَدِمَا عَلَى عُثْمَانَ وَمَعَهُمَا غَيْرُهُمَا، وَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْوَلِيدِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَدَعَا بِهِمَا عُثْمَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدَانِ أَنَّكُمَا رَأَيْتُمَاهُ يَشْرَبُ؟ فَقَالَا: لَا. قَالَ: فَكَيْفَ؟ قَالَا: اعْتَصَرْنَاهَا مِنْ لِحْيَتِهِ وَهُوَ يَقِيءُ الْخَمْرَ. فَأَمَرَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَجَلَدَهُ، فَأَوْرَثَ ذَلِكَ عَدَاوَةً بَيْنَ أَهْلَيْهِمَا، فَكَانَ عَلَى الْوَلِيدِ خَمِيصَةٌ فَأَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِنَزْعِهَا لَمَّا جُلِدَ.
هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي جَلَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ ابْنَهُ الْحَسَنَ أَنْ يَجْلِدَهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا! فَأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَجَلَدَهُ أَرْبَعِينَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمْسِكْ، جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُثْمَانُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْوَلِيدَ سَكِرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا مَعَكَ فِي زِيَادَةٍ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَأَمَرَ عَلِيًّا بِجَلْدِهِ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَجَلَدَهُ، وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ يَوْمَ يَلْقَى رَبَّهُ أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ
نَادَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ: أَأَزِيدُكُمْ؟ سُكْرًا وَمَا يَدْرِي
فَأَبَوْا أَبَا وَهْبٍ وَلَوْ أَذِنُوا لَقَرَنْتَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ
كَفُّوا عِنَانَكَ إِذْ جَرَيْتَ وَلَوْ تَرَكُوا عِنَانَكَ لَمْ تَزَلْ تَجْرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute