فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ عَلَيَّ أَنْ أَقْضِيَ مَا عَلَيَّ، وَأَنْ أَدْعُوَ الرَّعِيَّةَ إِلَى الِاجْتِهَادِ وَالِاقْتِصَادِ، وَمَا عَلَيَّ أَنْ أُجْبِرَهُمْ عَلَى الزُّهْدِ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَا تَرْضَوْا مِنَ الْأَغْنِيَاءِ حَتَّى يَبْذُلُوا الْمَعْرُوفَ، وَيُحْسِنُوا إِلَى الْجِيرَانِ وَالْإِخْوَانِ، وَيَصِلُوا الْقَرَابَاتِ. فَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَكَانَ حَاضِرًا: مَنْ أَدَّى الْفَرِيضَةَ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ. فَضَرَبَهُ أَبُو ذَرٍّ فَشَجَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ مَا أَنْتَ وَمَا هَاهُنَا؟ فَاسْتَوْهَبَ عُثْمَانُ كَعْبًا شَجَّتَهُ، فَوَهَبَهُ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: تَأْذَنُ لِي فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي بِالْخُرُوجِ مِنْهَا إِذَا بَلَغَ الْبِنَاءُ سَلْعًا. فَأَذِنَ لَهُ، فَنَزَلَ الرَّبَذَةَ وَبَنَى بِهَا مَسْجِدًا، وَأَقْطَعَهُ عُثْمَانُ صِرْمَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَاهُ مَمْلُوكَيْنِ وَأَجْرَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَطَاءً، وَكَذَلِكَ عَلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ أَيْضًا عَنِ الْمَدِينَةِ لِشَيْءٍ سَمِعَهُ.
وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَعَاهَدُ الْمَدِينَةَ مَخَافَةَ أَنْ يَعُودَ أَعْرَابِيًّا، أَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ، فَخَرَجُوا وَمَعَهُمْ جِرَابٌ مُثْقِلٌ يَدَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا مَا عِنْدَهُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: وَاللَّهِ مَا هُوَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَلَكِنَّهَا فَلُوسٌ، كَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ ابْتَاعَ مِنْهُ فُلُوسًا لِحَوَائِجِنَا. وَلَمَّا نَزَلَ الرَّبَذَةَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعَلَيْهَا رَجُلٌ يَلِي الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: «تَقَدَّمْ يَا أَبَا ذَرٍّ. فَقَالَ: لَا، تَقَدَّمْ أَنْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي: اسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ» ، فَأَنْتَ عَبْدٌ وَلَسْتَ بِأَجْدَعَ، وَكَانَ مِنْ رَقِيقِ الصَّدَقَةِ اسْمُهُ مُجَاشِعٌ.
ذكر عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ زَادَ عُثْمَانُ النِّدَاءَ الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الزَّوْرَاءِ. [الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا مَاتَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute