خَمْسِمِائَةِ مَرْكَبٍ أَوْ سِتِّمِائَةٍ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَعَلَى أَهْلِ الشَّامِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَلَى الْبَحْرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَكَانَتِ الرِّيحُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمَّا شَاهَدُوا الرُّومَ، فَأَرْسَى الْمُسْلِمُونَ وَالرُّومُ وَسَكَنَتِ الرِّيحُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: الْأَمَانُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ، وَالرُّومُ يَضْرِبُونَ بِالنَّوَاقِيسِ، وَقَرَّبُوا مِنَ الْغَدِ سُفُنَهُمْ، وَقَرَّبَ الْمُسْلِمُونَ سُفُنَهُمْ، فَرَبَطُوا بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ، وَاقْتَتَلُوا بِالسُّيُوفِ وَالْخَنَاجِرِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَقُتِلَ مِنَ الرُّومِ مَا لَا يُحْصَى، وَصَبَرُوا يَوْمَئِذٍ صَبْرًا لَمْ يَصْبِرُوا فِي مَوْطِنٍ قَطُّ مِثْلَهُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَانْهَزَمَ قُسْطَنْطِينُ جَرِيحًا، وَلَمْ يَنْجُ مِنَ الرُّومِ إِلَّا الشَّرِيدُ. وَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ بِذَاتِ الصَّوَارِي بَعْدَ الْهَزِيمَةِ أَيَّامًا وَرَجَعَ. فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَأَظْهَرَا عَيْبَهُ، وَمَا غَيَّرَ وَمَا خَالَفَ بِهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَيَقُولَانِ: اسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ رَجُلًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَ دَمَهُ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِكُفْرِهِ، وَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا أَدْخَلَهُمْ، وَنَزَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَابْنَ عَامِرٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ فَقَالَ: لَا تَرْكَبَا مَعَنَا، فَرَكِبَا فِي مَرْكَبٍ مَا مَعَهُمَا إِلَّا الْقِبْطُ، فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَكَانَا أَقَلَّ الْمُسْلِمِينَ نِكَايَةً وَقِتَالًا، فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَا: كَيْفَ نُقَاتِلُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ؟ اسْتَعْمَلَهُ عُثْمَانُ، وَعُثْمَانُ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُمَا وَيَتَهَدَّدُهُمَا، فَفَسَدَ النَّاسُ بِقَوْلِهِمَا، وَتَكَلَّمُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَنْطِقُونَ بِهِ.
وَأَمَّا قُسْطَنْطِينُ، فَإِنَّهُ سَارَ فِي مَرْكَبِهِ إِلَى صِقِلِّيَةَ، فَسَأَلَهُ أَهْلُهَا عَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ. فَقَالُوا: أَهْلَكْتَ النَّصْرَانِيَّةَ وَأَفْنَيْتَ رِجَالَهَا! لَوْ أَتَانَا الْعَرَبُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا مَنْ يَمْنَعُهُمْ. ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute