للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَحْمِلْ أَهْلَ أَبِي ذَرٍّ مَعَهُ إِنَّمَا تَرَكَهُمْ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بِمَكَّةَ فَأَعْلَمَهُ بِمَوْتِهِ، فَجَعَلَ عُثْمَانُ طَرِيقَهُ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُمْ مَعَهُ.

ذكر خُرُوجِ قَارِنَ

ثُمَّ جَمَعَ قَارِنُ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ نَاحِيَةِ الطَّبَسَيْنِ وَأَهْلِ بَاذَغِيسَ وَهَرَاةَ وَقُوهِسْتَانَ وَأَقْبَلَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَالَ قَيْسٌ لِابْنِ خَازِمٍ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تُخَلِّيَ الْبِلَادَ، فَإِنِّي أَمِيرُهَا وَمَعِي عَهْدٌ مِنِ ابْنِ عَامِرٍ إِذَا كَانَتْ حَرْبٌ بِخُرَاسَانَ فَأَنَا أَمِيرُهَا، وَأَخْرَجَ كِتَابًا كَانَ قَدِ افْتَعَلَهُ عَمْدًا، فَكَرِهَ قَيْسٌ مُنَازَعَتَهُ وَخَلَّاهُ وَالْبِلَادَ، وَأَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ، فَلَامَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَقَالَ: قَدْ تَرَكْتَ الْبِلَادَ خَرَابًا وَأَقْبَلْتَ! قَالَ: جَاءَنِي بِعَهْدٍ مِنْكَ. قَالَ: فَسَارَ ابْنُ خَازِمٍ إِلَى قَارِنَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَأَمَرَ النَّاسَ فَحَمَلُوا الْوَدَكَ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ قَارِنَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُدْرِجَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى زُجِّ رُمْحِهِ خِرْقَةً أَوْ قُطْنًا، ثُمَّ يُكْثِرُوا دُهْنَهُ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَمْسَى، فَقَدَّمَ مُقَدَّمَتَهُ سِتَّمِائَةٍ ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ، وَأَمَرَ النَّاسَ فَأَشْعَلُوا النِّيرَانَ فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ، فَانْتَهَتْ مُقَدَّمَتُهُ إِلَى مُعَسْكَرِ قَارِنَ نِصْفَ اللَّيْلِ فَنَاوَشُوهُمْ، وَهَاجَ النَّاسُ عَلَى دَهَشٍ وَكَانُوا آمِنِينَ مِنَ الْبَيَاتِ، وَدَنَا ابْنُ خَازِمٍ مِنْهُمْ فَرَأَوُا النِّيرَانَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَتَنْخَفِضُ وَتَرْتَفِعُ، فَهَالَهُمْ ذَلِكَ، وَمُقَدَّمَةُ ابْنِ خَازِمٍ يُقَاتِلُونَهُمْ، ثُمَّ غَشِيَهُمُ ابْنُ خَازِمٍ بِالْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَ قَارِنَ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَاتَّبَعُوهُمْ يَقْتُلُونَهُمْ كَيْفَ شَاءُوا، وَأَصَابُوا سَبْيًا كَثِيرًا. وَكَتَبَ ابْنُ خَازِمٍ بِالْفَتْحِ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ، فَرَضِيَ وَأَقَرَّهُ عَلَى خُرَاسَانَ، فَلَبِثَ عَلَيْهَا حَتَّى انْقَضَى أَمْرُ الْجَمَلِ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَشَهِدَ وَقْعَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ مَعَهُ فِي دَارِ سَنْبِيلٍ.

وَقِيلَ: لَمَّا جَمَعَ قَارِنُ اسْتَشَارَ قَيْسُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَازِمٍ فِيمَا يَصْنَعُ، فَقَالَ: أَرَى أَنَّكَ لَا تُطِيقُ كَثْرَةَ مَنْ قَدْ أَتَانَا، فَاخْرُجْ بِنَفْسِكَ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ فَتُخْبِرَهُ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ، وَنُقِيمُ نَحْنُ فِي الْحُصُونِ وَنُطَاوِلُهُمْ وَيَأْتِينَا مَدَدُكُمْ. فَخَرَجَ قَيْسٌ، فَلَمَّا أَمْعَنَ أَظْهَرَ ابْنُ خَازِمٍ عَهْدًا وَقَالَ: قَدْ وَلَّانِي ابْنُ عَامِرٍ خُرَاسَانَ، فَسَارَ إِلَى قَارِنَ فَظَفِرَ بِهِ وَكَتَبَ بِالْفَتْحِ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ فَأَقَرَّهُ عَلَى خُرَاسَانَ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ يَغْزُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ صَالَحَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَإِذَا عَادُوا تَرَكُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ نَجْدَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>