ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ تَسْجُدُ لَهُ، فَقَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ، وَكَانَ عُمُرُهُ حِينَئِذٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: {يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: ٥] . ثُمَّ عَبَرَ لَهُ رُؤْيَاهُ. فَقَالَ {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦] .
وَسَمِعَتِ امْرَأَةُ يَعْقُوبَ مَا قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ فَقَالَ لَهَا يَعْقُوبُ: اكْتُمِي مَا قَالَ يُوسُفُ وَلَا تُخْبِرِي أَوْلَادَكِ. قَالَتْ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَقْبَلَ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ مِنَ الرَّعْيِ أَخْبَرَتْهُمْ بِالرُّؤْيَا، فَازْدَادُوا حَسَدًا وَكَرَاهَةً لَهُ، وَقَالُوا: مَا عَنَى بِالشَّمْسِ غَيْرَ أَبِينَا، وَلَا بِالْقَمَرِ غَيْرَكِ، وَلَا بِالْكَوَاكِبِ غَيْرَنَا، إِنَّ ابْنَ رَاحِيلَ يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْنَا وَيَقُولَ أَنَا سَيِّدُكُمْ. وَتَآمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَقَالُوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: ٨] فِي خَطَإٍ بَيِّنٍ فِي إِيثَارِهِمَا عَلَيْنَا {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف: ٩] أَيْ تَائِبِينَ.
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ يَهُودَا، وَكَانَ أَفْضَلَهُمْ وَأَعْقَلَهُمْ: لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فَإِنَّ الْقَتْلَ عَظِيمٌ، {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: ١٠] ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعُهُودَ أَنَّهُمْ لَا يَقْتُلُونَهُ، فَأَجْمَعُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى يَعْقُوبَ وَيُكَلِّمُوهُ فِي إِرْسَالِ يُوسُفَ مَعَهُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا أَرَادُوا مِنْهُ حَاجَةً، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: مَا حَاجَتُكُمْ؟ {قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} [يوسف: ١١] نَحْفَظُهُ حَتَّى نَرُدَّهُ {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} [يوسف: ١٢] إِلَى الصَّحْرَاءِ {غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: ١٢] . فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف: ١٣] لَا تَشْعُرُونَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ يُوسُفَ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَكَأَنَّ عَشَرَةً مِنَ الذِّئَابِ قَدْ شَدُّوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، وَإِذَا ذِئْبٌ مِنْهَا يَحْمِي عَنْهُ، وَكَأَنَّ الْأَرْضَ انْشَقَّتْ فَذَهَبَ فِيهَا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلِذَلِكَ خَافَ عَلَيْهِ الذِّئْبَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute