للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَلَوِيُّ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ رَسُولًا إِلَى عُثْمَانَ يُخْبِرُهُ بِحَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الْعُمْرَةَ وَقَصْدُهُمْ خَلْعُهُ أَوْ قَتْلُهُ، فَخَطَبَ عُثْمَانُ النَّاسَ وَأَعْلَمَهُمْ حَالَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُمْ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ وَاسْتَطَالُوا عُمْرِي، وَاللَّهِ لَئِنْ فَارَقْتُهُمْ لِيَتَمَنَّوْنَ أَنَّ عُمْرِي كَانَ عَلَيْهِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ سَنَةً مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوكَةِ وَالْإِحَنِ وَالْأَثَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَحْكَامِ الْمُغَيَّرَةِ.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَدْ خَرَجَ إِلَى عُثْمَانَ فِي آثَارِ الْمِصْرِيِّينَ بِإِذْنِهِ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِأَيْلَةَ بَلَغَهُ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ رَجَعُوا إِلَى عُثْمَانَ فَحَصَرُوهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ غَلَبَ عَلَى مِصْرَ وَاسْتَجَابُوا لَهُ، فَعَادَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى مِصْرَ فَمُنِعَ عَنْهَا، فَأَتَى فِلَسْطِينَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ.

فَلَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ ذَا خُشُبٍ يُرِيدُونَ قَتْلَ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَنْزِعْ عَمَّا يَكْرَهُونَ، وَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ ذَلِكَ جَاءَ إِلَى عَلِيٍّ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَمِّ، إِنَّ قَرَابَتِي قَرِيبَةٌ وَلِي عَلَيْكَ حَقٌّ عَظِيمٌ، وَقَدْ جَاءَ مَا تَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَهُمْ مُصَبِّحِيَّ، وَلَكَ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْكَ، وَأُحِبُّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيْهِمْ فَتَرُدَّهُمْ عَنِّي، فَإِنَّ فِي دُخُولِهِمْ عَلَيَّ تَوْهِينًا لِأَمْرِي وَجُرْأَةً عَلَيَّ! فَقَالَ عَلِيٌّ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَرُدُّهُمْ عَنْكَ؟ قَالَ: عَلَى أَنْ أَصِيرَ إِلَى مَا أَشَرْتَ إِلَيْهِ وَرَأَيْتَهُ لِي. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكُلُّ ذَلِكَ نَخْرُجُ وَنَقُولُ ثُمَّ تَرْجِعُ عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ مَرْوَانَ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، فَإِنَّكَ أَطَعْتَهُمْ وَعَصَيْتَنِي. قَالَ عُثْمَانُ: فَأَنَا أَعْصِيهِمْ وَأُطِيعُكَ.

فَأَمَرَ النَّاسَ فَرَكِبَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فِيهِمْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو جَهْمٍ الْعَدَوِيُّ، وَجَبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَمَرْوَانُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَأَبُو حُمَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمِنَ الْعَرَبِ نِيَارُ بْنُ مِكْرَزٍ، فَأَتَوُا الْمِصْرِيِّينَ فَكَلَّمُوهُمْ، وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُمْ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَسَمِعُوا مَقَالَتَهُمْ وَرَجَعُوا إِلَى مِصْرَ. فَقَالَ ابْنُ عُدَيْسٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ: أَتُوصِينَا بِحَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَتَّقِي اللَّهَ وَتَرُدُّ مَنْ قِبَلَكَ عَنْ إِمَامِهِمْ، فَإِنَّهُ قَدْ وَعَدَنَا أَنْ يَرْجِعَ وَيَنْزِعَ. قَالَ ابْنُ عُدَيْسٍ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَرَجَعَ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِرُجُوعِهِمْ وَكَلَّمَهُ بِمَا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَمَكَثَ عُثْمَانُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَجَاءَهُ مَرْوَانُ بُكْرَةَ الْغَدِ فَقَالَ لَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>