عَجِبْتُ لِمَا يَخُوضُ النَّاسُ فِيهِ ... يَرُومُونَ الْخِلَافَةَ أَنْ تَزُولَا
وَلَوْ زَالَتْ لَزَالَ الْخَيْرُ عَنْهُمْ ... وَلَاقَوْا بَعْدَهَا ذُلًّا ذَلِيلَا
وَكَانُوا كَالْيَهُودِ وَكَالنَّصَارَى ... سَوَاءً كُلُّهُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَا
وَبَلَغَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ مَا لَقِيَ عَلِيٌّ وَأُمُّ حَبِيبَةَ، فَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَبَقِيَ عُثْمَانُ يَسْقِيهِ آلُ حَزْمٍ فِي الْغَفَلَاتِ. فَأَشْرَفَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَاسْتَدْعَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ بِالنَّاسِ، وَكَانَ مِمَّنْ لَزِمَ الْبَابَ، فَقَالَ: جِهَادُ هَؤُلَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحَجِّ فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَسْمَعَنِي كَلَامَ مَنْ عَلَى بَابِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: انْظُرُوا عَسَى أَنْ يُرَاجِعَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ وَاقِفُونَ إِذْ مَرَّ طَلْحَةُ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عُدَيْسٍ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ فَنَاجَاهُ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عُدَيْسٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَتْرُكُوا أَحَدًا يَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ. فَقَالَ لِي عُثْمَانُ: هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ طَلْحَةُ، اللَّهُمَّ اكْفِنِي طَلْحَةَ فَإِنَّهُ حَمَلَ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ وَأَلَّبَهُمْ عَلَيَّ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مِنْهَا صِفْرًا وَأَنْ يُسْفَكَ دَمُهُ! قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ فَمَنَعُونِي حَتَّى أَمَرَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَتَرَكُونِي أَخْرُجُ. وَقِيلَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ، وَقِيلَ: أَدْرَكَ قَتْلَهُ.
وَلَمَّا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ أَهْلَ الْمَوْسِمِ يُرِيدُونَ قَصْدَهُمْ، وَأَنْ يَجْمَعُوا ذَلِكَ إِلَى حَجِّهِمْ مَعَ مَا بَلَغَهُمْ مِنْ مَسِيرِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ قَالُوا: لَا يُخْرِجُنَا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي وَقَعْنَا فِيهِ إِلَّا قَتْلُ هَذَا الرَّجُلِ، فَيَشْتَغِلُ النَّاسُ عَنَّا بِذَلِكَ. فَرَامُوا الْبَابَ فَمَنَعَهُمُ الْحَسَنُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، وَمَرْوَانُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ، وَاجْتَلَدُوا، فَزَجَرَهُمْ عُثْمَانُ وَقَالَ: أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ نُصْرَتِي، فَأَبَوْا، فَفَتَحَ الْبَابَ لِمَنْعِهِمْ، فَلَمَّا خَرَجَ وَرَآهُ الْمِصْرِيُّونَ رَجَعُوا، فَرَكِبَهُمْ هَؤُلَاءِ، وَأَقْسَمَ عُثْمَانُ عَلَى أَصْحَابِهِ لَيَدْخُلُنَّ فَدَخَلُوا فَأَغْلَقَ الْبَابَ دُونَ الْمِصْرِيِّينَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ نِيَارُ بْنُ عِيَاضٍ، وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَنَادَى عُثْمَانَ، فَبَيْنَا هُوَ يُنَاشِدُهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُمْ إِذْ رَمَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ الْكِنْدِيُّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.
فَقَالُوا لِعُثْمَانَ عِنْدَ ذَلِكَ: ادْفَعْ إِلَيْنَا قَاتِلَهُ لِنَقْتُلَهُ بِهِ. قَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَقْتُلَ رَجُلًا نَصَرَنِي وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ قَتْلِي. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ثَارُوا إِلَى الْبَابِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَحَدٌ مِنْهُ، وَالْبَابُ مُغْلَقٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الدُّخُولِ مِنْهُ، فَجَاءُوا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوهُ وَالسَّقِيفَةَ الَّتِي عَلَى الْبَابِ، وَثَارَ أَهْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute