بِالسَّكَاكِينِ وَلَا يَشْعُرْنَ، وَقُلْنَ: مَعَاذَ اللَّهِ {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: ٣١]
فَلَمَّا حَلَّ بِهِنَّ مَا حَلَّ مِنْ قَطْعِهِنَّ أَيْدِيَهُنَّ وَذَهَابِ عُقُولِهِنَّ، وَعَرَفْنَ خَطَأَهُنَّ فِيمَا قُلْنَ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَقَالَتْ: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: ٣٢] . فَاخْتَارَ يُوسُفُ السَّجْنَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَقَالَ: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف: ٣٣] . {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} [يوسف: ٣٤] . ثُمَّ بَدَا لِلْعَزِيزِ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَى الْآيَاتِ مِنَ الْقَمِيصِ، وَخَمْشِ الْوَجْهِ، وَشَهَادَةِ الطِّفْلِ، وَتَقْطِيعِ النِّسْوَةِ أَيْدِيَهُنَّ فِي تَرْكِ يُوسُفَ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: إِنَّهَا شَكَتْ إِلَى زَوْجِهَا، وَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ قَدْ فَضَحَنِي فِي النَّاسِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّنِي رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَسَجَنَهُ سَبْعَ سِنِينَ. فَلَمَّا حُبِسَ يُوسُفُ أُدْخِلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ مِنْ أَصْحَابِ فِرْعَوْنِ مِصْرَ، أَحَدُهُمَا صَاحِبُ طَعَامِهِ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ شَرَابِهِ، لِأَنَّهُمَا نُقِلَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا يُرِيدَا أَنْ يَسُمَّا الْمَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ يُوسُفُ السِّجْنَ قَالَ: إِنِّي أَعْبُرُ الْأَحْلَامَ. فَقَالَ أَحَدُ الْفَتَيَيْنِ لِلْآخَرِ: هَلُمَّ فَلْنُجَرِّبْهُ. قَالَ الْخَبَّازُ: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} [يوسف: ٣٦] وَقَالَ الْآخَرُ {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] . فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} [يوسف: ٣٧] . كَرِهَ أَنْ يَعْبُرَ لَهُمَا مَا سَأَلَاهُ عَنْهُ، وَأَخَذَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: ٣٩] وَكَانَ اسْمُ الْخَبَّازِ مَخْلَتَ، وَاسْمُ الْآخَرِ نَبْوَ، فَلَمْ يَدَعَاهُ حَتَّى أَخْبَرَهُمَا بِتَأْوِيلِ مَا سَأَلَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ: {أَمَّا أَحَدُكُمَا} [يوسف: ٤١] ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَعْصِرُ الْخَمْرَ، {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: ٤١] ، يَعْنِي سَيِّدَهُ الْمَلِكَ، {وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} [يوسف: ٤١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute