{كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: ٩٢] ، أَلَمْ أَكُنْ أَخَاكُمَا فِي دِينِكُمَا تُحَرِّمَانِ دَمِي وَأُحَرِّمُ دَمَكُمَا، فَهَلْ مِنْ حَدَثٍ أَحَلَّ لَكُمَا دَمِي؟ قَالَ طَلْحَةُ: أَلَّبْتَ عَلَى عُثْمَانَ. قَالَ عَلِيٌّ: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: ٢٥] . يَا طَلْحَةُ، تَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَلَعَنَ اللَّهُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ! يَا طَلْحَةُ، أَجِئْتَ بِعِرْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تُقَاتِلُ بِهَا وَخَبَّأْتَ عِرْسَكُ فِي الْبَيْتِ! أَمَا بَايَعْتَنِي؟ قَالَ: بَايَعْتُكَ وَالسَّيْفُ عَلَى عُنُقِي. فَقَالَ عَلِيٌّ لِلزُّبَيْرِ: يَا زُبَيْرُ مَا أَخْرَجَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ، وَلَا أَرَاكَ لِهَذَا الْأَمْرِ أَهْلًا وَلَا أَوْلَى بِهِ مِنَّا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَسْتُ لَهُ أَهْلًا بَعْدَ عُثْمَانَ؟ قَدْ كُنَّا نَعُدُّكَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى بَلَغَ ابْنُكَ ابْنُ السُّوءِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا. وَذَكَّرَهُ أَشْيَاءَ، وَقَالَ لَهُ: «تَذَكَّرْ يَوْمَ مَرَرْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي غَنْمٍ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَضَحِكَ وَضَحِكْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتَ لَهُ لَا يَدَعُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ زَهْوَهُ، فَقَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَيْسَ (بِهِ زَهْوٌ) ، لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ» ". قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وَلَوْ ذَكَرْتُ مَا سِرْتُ مَسِيرِي هَذَا، وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُكَ أَبَدًا. فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا الزُّبَيْرُ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يُقَاتِلَكُمْ. وَرَجَعَ الزُّبَيْرُ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: مَا كُنْتُ فِي مَوْطِنٍ مُنْذُ عَقِلْتُ إِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُ فِيهِ أَمْرِي، غَيْرَ مَوْطِنِي هَذَا. قَالَتْ: فَمَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَدَعَهُمْ وَأَذْهَبَ. قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: جَمَعْتَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَارَّيْنِ حَتَّى إِذَا حَدَّدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَرَدْتَ أَنْ تَتْرُكَهُمْ وَتَذْهَبَ، لَكِنَّكَ خَشِيتَ رَايَاتِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَلِمْتَ أَنَّهَا تَحْمِلُهَا فِتْيَةٌ أَنْجَادٌ، وَأَنَّ تَحْتَهَا الْمَوْتَ الْأَحْمَرَ فَجَبُنْتَ. فَأَحْفَظَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ أَنْ لَا أُقَاتِلَهُ. قَالَ: كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَقَاتِلْهُ. فَأَعْتَقَ غُلَامَهُ مَكْحُولًا، وَقِيلَ سِرْجِسَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيُّ:
لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ أَخَا إِخْوَانِ ... أَعْجَبَ مِنْ مُكَفِّرِ الْأَيْمَانِ
الْأَبْيَاتِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا عَادَ الزُّبَيْرُ عَنِ الْقِتَالِ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مَعَ عَلِيٍّ، فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَ عَمَّارًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا عَمَّارُ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» "، فَرَدَّهُ ابْنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute