الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ! فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ النَّسَّاجَةِ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، يَسْقِي أَوْلِيَاءَهُ وَيُظْمِئُ أَعْدَاءَهُ أَنْتَ وَأَمْثَالَكَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ سَيَفِي بِيَدِي مَا بَلَغْتُمْ مِنِّي هَذَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِكَ؟ أُدْخِلُكَ جَوْفَ حِمَارٍ، ثُمَّ أُحَرِّقُهُ عَلَيْكَ بِالنَّارِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ فَعَلْتَ بِي ذَلِكَ فَلَطَالَمَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَإِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَوْلِيَائِكَ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو نَارًا تَلَظَّى، كُلَّمَا خَبَتْ زَادَهَا اللَّهُ سَعِيرًا. فَغَضِبَ مِنْهُ وَقَتَلَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي جِيفَةِ حِمَارٍ، ثُمَّ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ جَزِعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَقَنَتَتْ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ تَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو، وَأَخَذَتْ عِيَالَ مُحَمَّدٍ إِلَيْهَا، فَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي عِيَالِهِمْ، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ شِوَاءً حَتَّى تُوُفِّيَتْ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَاتَلَ عَمْرًا وَمَنْ مَعَهُ قِتَالًا شَدِيدًا فَقَتَلَ كِنَانَةَ، وَانْهَزَمَ مُحَمَّدٌ، وَاخْتَبَأَ عِنْدَ جَبَلَةَ بْنِ مَسْرُوقٍ، فَدُلَّ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فَأَحَاطَ بِهِ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَجَابَهُ عَنْهُ وَوَعَدَهُ الْمَدَدَ، قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ مِصْرَ، وَقَصْدَ عَمْرٍو إِيَّاهَا، وَنَدَبَهُمْ إِلَى إِنْجَادِهِمْ، وَحَثَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَى الْجَرَعَةِ، وَهِيَ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ إِلَى الْجَرَعَةِ، فَنَزَلَهَا بُكْرَةً وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ، فَرَجَعَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ اسْتَدْعَى أَشْرَافَ النَّاسِ وَهُوَ كَئِيبٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرِهِ، وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلِهِ، وَابْتَلَانِي بِكُمْ، أَيَّتُهَا الْقَرْيَةُ الَّتِي لَا تُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ، وَلَا تُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ، لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ! مَا تَنْتَظِرُونَ بِمِصْرِكُمْ وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ الْمَوْتُ، وَلَيَأْتِيَنِّي، لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ، وَبِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ، لِلَّهِ أَنْتُمْ! أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ، وَلَا مَحْمِيَّةٌ تَحْمِيكُمْ إِذَا أَنْتُمْ سَمِعْتُمْ بِعَدُوِّكُمْ يَنْتَقِصُ بِلَادَكُمْ، وَيَشِنُّ الْغَارَةَ عَلَيْكُمْ؟ أَوَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ (يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتْبَعُونَهُ عَلَى غَيْرِ عَطَاءٍ وَلَا مَعُونَةٍ) فِي السَّنَةِ الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ إِلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ أُولُو النُّهَى، وَبَقِيَّةُ النَّاسِ عَلَى الْعَطَاءِ وَالْمَعُونَةِ، فَتَتَفَرَّقُونَ عَنِّي تَعْصَوْنَنِي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ!
فَقَامَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَرْحَبِيُّ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْدُبِ النَّاسَ، لِهَذَا الْيَوْمِ كُنْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute