للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَنَةً فَنَفَاهُ عَنْ بِلَادِ الْعِرَاقِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أُدِيلَ مِنْهُ مِنُوجِهْرُ فَنَفَاهُ عَنْ بِلَادِهِ وَعَادَ إِلَى مُلْكِهِ، وَمَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً.

وَكَانَ مِنُوجِهْرُ يُوصَفُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَنْدَقَ الْخَنَادِقَ وَجَمَعَ آلَةَ الْحَرْبِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الدَّهْقَنَةَ فَجَعَلَ لِكُلِّ قَرْيَةٍ دِهْقَانًا وَأَمَرَ أَهْلَهَا بِطَاعَتِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ مُوسَى ظَهَرَ فِي سَنَةِ سِتِّينَ مِنْ مُلْكِهِ.

وَقَالَ غَيْرُ هِشَامٍ: إِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ سَارَ نَحْوَ بِلَادِ التُّرْكِ طَالِبًا بِدَمِ جَدِّهِ إِيرَجَ بْنِ أَفْرِيدُونَ، فَقَتَلَ طُوجَ بْنَ أَفْرِيدُونَ وَأَخَاهُ سَلْمًا، ثُمَّ إِنَّ أَفْرَاسِيَابَ بْنَ فَشْنَجَ بْنِ رُسْتَمَ بْنِ تُرْكٍ، الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْأَتْرَاكُ مِنْ وَلَدِ طُوجَ بْنِ أَفْرِيدُونَ، حَارَبَ مِنُوجِهْرَ بَعْدَ قَتْلِهِ طُوجَ بِسِتِّينَ سَنَةً وَحَاصَرَهُ بِطَبَرِسْتَانَ، ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَا حَدَّ مَا بَيْنَ مُلْكَيْهِمَا مُنْتَهَى رَمْيَةِ سَهْمِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ مِنُوجِهْرَ اسْمُهُ إِيرِشَى، وَكَانَ رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، فَرَمَى سَهْمًا مِنْ طَبَرِسْتَانَ فَوَقَعَ بِنَهْرِ بَلْخَ، وَصَارَ النَّهْرُ حَدَّ مَا بَيْنَ التُّرْكِ وَلَدِ طُوجَ وَعَمَلِ مِنُوجِهْرَ.

قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا يَتَدَاوَلُهُ الْفُرْسُ فِي أَكَاذِيبِهِمْ، أَنَّ رَمْيَةَ سَهْمٍ تَبْلُغُ هَذَا كُلَّهُ.

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مِنُوجِهْرَ اشْتَقَّ مِنَ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَنَهْرِ بَلْخَ أَنْهَارًا عِظَامًا وَأَمَرَ بِعِمَارَةِ الْأَرْضِ.

وَقِيلَ: إِنَّ التُّرْكَ تَنَاوَلَتْ مِنْ أَطْرَافِ رَعِيَّتِهِ بَعْدَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ، فَوَبَّخَ قَوْمَهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَمْ تَلِدُوا النَّاسَ كُلَّهُمْ وَإِنَّمَا النَّاسُ نَاسٌ مَا عَقَلُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَدَفَعُوا الْعَدُوَّ عَنْهُمْ، وَقَدْ نَالَتِ التُّرْكُ مِنْ أَطْرَافِكُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِتَرْكِكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>